في أخلاقيات الصراع.. وانتهاك الخصوصية
الاحد / 12 / جمادى الأولى / 1437 هـ - 01:15 - الاحد 21 فبراير 2016 01:15
مع كل تطور جديد في تقنية التصوير والنشر، يتزايد تعقيد مفهوم الخصوصية كإشكال مربك بين الأخلاق والقانون وحرية التعبير وقضايا الأمن، لكننا لم نصل بعد إلى هذا المستوى من التعقيد حول تفاصيل دقيقة كما هو في المجتمعات الغربية، المشغولة بحماية ديمقراطيتها ومجتمعها المدني وحقوق الفرد.
لا يزال مجتمعنا بحاجة إلى ثقافة أخلاقية تؤصل الوعي بهذه المفاهيم كمسار يرافق تطور القوانين والأنظمة، وحتى مفهوم الستر السائد في النصائح الدينية اتضح أنه ناقص في وعي هذا الخطاب، ولا يعبر بدقة عن المفهوم المعاصر. يرى ريموند واكس بأن «قيمة الخصوصية كقيمة عامة أخلاقية أو سياسية أو اجتماعية لا يمكن إنكارها، ولكن كلما اتسعت الفكرة ازداد غموضها، وسعيا وراء الوضوح هناك رأي جدلي بأنه في لب الخصوصية تكمن رغبة بل ربما حاجة إلى منع المعلومات التي تتعلق بنا، من أن تكون معروفة للآخرين بدون رضانا».
منذ سنوات ومع تطور حرية النشر الفردي بضغطة زر من الواتس اب إلى تويتر إلى عدد متنام من التطبيقات في كل يد، يصاحب هذا التطور التقني جهل عام في مفهوم الخصوصية وأخلاقياتها بالمعنى الحديث، لهذا يشارك كثيرون بحفلات التشهير وسحل السمعة، بدون أي تأنيب ضمير، وتتبخر بسهولة المفاهيم الدينية حول فضيلة الستر عند أي لحظة تصادم وخلاف بين تيارات وتوجهات شخصية. يعاني المجتمع من تضخم وعظي، مع غياب وعي فلسفي بأصول الأخلاق من خلال التعليم ومنابر التوجيه والإعلام عبر رؤى جدلية عقلانية، لذا تتبخر كثير من المحفوظات النقلية بمجرد أي ارتباك داخل صراع واقعي، حتى من بعض الذين يتصدرون الخطاب التوجيهي في المجتمع! هذا السقوط لأبسط مفاهيم الأخلاق والمبادئ، لم يكن فقط عند نسبة من غوغاء وبسطاء في المجتمع، وإنما يتكرر ممن يفترض أنهم دعاة تنوير وفضيلة من كتاب ومثقفين ووعاظ وناشطين حركيين.
مظاهر الخلل يكشفها دخول عدد من الأسماء المعروفة بمثل هذه الأخطاء وتكرارها عند بعض الأحداث عبر المشاركة بانتهاك خصوصية الآخرين بالهاشتاق والرتويت وقروبات الواتس اب أو تبريرها بالتأييد أو السكوت، بدون أي إحساس بالجريمة، بالإضافة إلى صف ثان ضخم من المعرفات التي تدار من خلف الستار وتدعم توجهها في نشاطها الحركي والتشبيحي. ما يحدث هل سببه ضعف أصالة القيم الأخلاقية لديهم، أم هو خلل الوعي بهذه الأصول بحيث تسقط عند أي شبهة ونفعية، خاصة ممن يتوهم أن يخدم الدعوة وأهل الخير.
كان مفاجئا بالنسبة لي وجود البعض في مواقع التواصل ومن أسماء معروفة ممن يفترض أنهم أكثر الناس حرصا على هذه المفاهيم الشرعية، يبررون بعض هذه الانتهاكات ضد الآخر الخصم الذي هاجمهم بقلمه أو برنامجه أو في تويتر، من خلال خلط مفهوم الستر في الرؤية التراثية وكلام السلف، والموقف من المبتدع والعصاة.. مع خصومهم في قضايا معينة، وهو خلط غير أمين ويعبر عن وعي فقهي يدور بين الجهل أو المغالطة في توظيف كلام علماء سابقين ومعاصرين في غير مكانه. فالكلام عن العصاة والفساق والمبتدعة وحدود التشهير بهم والمصلحة والمفسدة لا علاقة له بما يحدث اليوم من انتهاك لخصوصية الذين تختلف معهم في مسائل خارج موضوع التشهير ذاته. فالخصوصية تتعلق بأشياء لم يسمح أصلا صاحبها بنشرها حتى وإن كانت أشياء عادية ومعلومات عن حياته الخاصة. أما إذا كان ما يفعله أو يقوله فيه خطورة أمنية أو مضر بعمل ما أو بالمجتمع أو في مؤسسة تعليمية فإن التبليغ عنه للجهات المختصة مسار قانوني وأخلاقي له معاييره مختلف عن خيار التشهير به بمواقع وهي درجة مؤسفة من الانحراف الأخلاقي قبل القانوني.
فإذا قام كاتب أو إعلامي بمهاجمة داعية أو على جهة شرعية، أو بالعكس عندما يقوم داعية بانتقاد مثقف أو مؤسسات إعلامية باسمها فإنه في هذه الحالة يحق لكل طرف النقد العلني المتبادل في مجال الأفكار المطروحة والمختلف حولها، للتصحيح والمناقشة والتخطئة، ولكل طرف الحق في نقد الآخر بشدة وعلانية لأن أصل هذه الأفكار منشورة إما ببرنامج أو صحيفة أو مواقع تواصل أو على منبر مسجد، وليست شيئا شخصيا غير معلن.
ولهذا الحديث عن المبتدع الذي ينشر بدعته ويدعو لها ليس في حقيقته تشهيرا به عند الرد عليه وفضحه فهو قد طرحها على المجتمع بأي وسيلة، أو حتى الذي يرتكب المعصية علانية وينشرها بنفسه في مقاطع أو برامج أو سوق، لهذا لا يحق لأي طرف الخروج عن أصل الخلاف إلى جوانب شخصية وذات خصوصية بحجج وهمية، ولو فتح هذا الباب لأصبح كل خلاف بين شخصين ولو على مبلغ مالي بسيط حجة للتشهير بخصوصيات الآخر.
تستطيع أن تدافع عما ترى أنه الحق والفضيلة بأي طريقة مشروعة، لكن الخروج لقضايا خاصة وشخصية وعائلية خارج موضوع الخلاف بأي أسلوب هو تجاوز أخلاقي وفضيحة للتيار وللشخص الذي يستعمله قبل أن يكون فضيحة لغيره. والبعض يضعف تحت إغراء أن المشاركة في هذه الأمور تزيد عدد المتابعين له. هناك قائمة طويلة من الأمثلة التي نشاهدها بين فترة وأخرى، بعضها تشهير بموظفين صغار أو معلمين أو مشاهير رياضيين أو دعاة وإعلاميين وفنانين إلخ، ويمر الكثير منها بدون تبعات لأن المتضرر يشعر أن كلفة المسار لأخذ حقه أكبر من المشكلة ذاتها، فيلتزم الصمت.. مع الشعور بالظلم.
لا يزال مجتمعنا بحاجة إلى ثقافة أخلاقية تؤصل الوعي بهذه المفاهيم كمسار يرافق تطور القوانين والأنظمة، وحتى مفهوم الستر السائد في النصائح الدينية اتضح أنه ناقص في وعي هذا الخطاب، ولا يعبر بدقة عن المفهوم المعاصر. يرى ريموند واكس بأن «قيمة الخصوصية كقيمة عامة أخلاقية أو سياسية أو اجتماعية لا يمكن إنكارها، ولكن كلما اتسعت الفكرة ازداد غموضها، وسعيا وراء الوضوح هناك رأي جدلي بأنه في لب الخصوصية تكمن رغبة بل ربما حاجة إلى منع المعلومات التي تتعلق بنا، من أن تكون معروفة للآخرين بدون رضانا».
منذ سنوات ومع تطور حرية النشر الفردي بضغطة زر من الواتس اب إلى تويتر إلى عدد متنام من التطبيقات في كل يد، يصاحب هذا التطور التقني جهل عام في مفهوم الخصوصية وأخلاقياتها بالمعنى الحديث، لهذا يشارك كثيرون بحفلات التشهير وسحل السمعة، بدون أي تأنيب ضمير، وتتبخر بسهولة المفاهيم الدينية حول فضيلة الستر عند أي لحظة تصادم وخلاف بين تيارات وتوجهات شخصية. يعاني المجتمع من تضخم وعظي، مع غياب وعي فلسفي بأصول الأخلاق من خلال التعليم ومنابر التوجيه والإعلام عبر رؤى جدلية عقلانية، لذا تتبخر كثير من المحفوظات النقلية بمجرد أي ارتباك داخل صراع واقعي، حتى من بعض الذين يتصدرون الخطاب التوجيهي في المجتمع! هذا السقوط لأبسط مفاهيم الأخلاق والمبادئ، لم يكن فقط عند نسبة من غوغاء وبسطاء في المجتمع، وإنما يتكرر ممن يفترض أنهم دعاة تنوير وفضيلة من كتاب ومثقفين ووعاظ وناشطين حركيين.
مظاهر الخلل يكشفها دخول عدد من الأسماء المعروفة بمثل هذه الأخطاء وتكرارها عند بعض الأحداث عبر المشاركة بانتهاك خصوصية الآخرين بالهاشتاق والرتويت وقروبات الواتس اب أو تبريرها بالتأييد أو السكوت، بدون أي إحساس بالجريمة، بالإضافة إلى صف ثان ضخم من المعرفات التي تدار من خلف الستار وتدعم توجهها في نشاطها الحركي والتشبيحي. ما يحدث هل سببه ضعف أصالة القيم الأخلاقية لديهم، أم هو خلل الوعي بهذه الأصول بحيث تسقط عند أي شبهة ونفعية، خاصة ممن يتوهم أن يخدم الدعوة وأهل الخير.
كان مفاجئا بالنسبة لي وجود البعض في مواقع التواصل ومن أسماء معروفة ممن يفترض أنهم أكثر الناس حرصا على هذه المفاهيم الشرعية، يبررون بعض هذه الانتهاكات ضد الآخر الخصم الذي هاجمهم بقلمه أو برنامجه أو في تويتر، من خلال خلط مفهوم الستر في الرؤية التراثية وكلام السلف، والموقف من المبتدع والعصاة.. مع خصومهم في قضايا معينة، وهو خلط غير أمين ويعبر عن وعي فقهي يدور بين الجهل أو المغالطة في توظيف كلام علماء سابقين ومعاصرين في غير مكانه. فالكلام عن العصاة والفساق والمبتدعة وحدود التشهير بهم والمصلحة والمفسدة لا علاقة له بما يحدث اليوم من انتهاك لخصوصية الذين تختلف معهم في مسائل خارج موضوع التشهير ذاته. فالخصوصية تتعلق بأشياء لم يسمح أصلا صاحبها بنشرها حتى وإن كانت أشياء عادية ومعلومات عن حياته الخاصة. أما إذا كان ما يفعله أو يقوله فيه خطورة أمنية أو مضر بعمل ما أو بالمجتمع أو في مؤسسة تعليمية فإن التبليغ عنه للجهات المختصة مسار قانوني وأخلاقي له معاييره مختلف عن خيار التشهير به بمواقع وهي درجة مؤسفة من الانحراف الأخلاقي قبل القانوني.
فإذا قام كاتب أو إعلامي بمهاجمة داعية أو على جهة شرعية، أو بالعكس عندما يقوم داعية بانتقاد مثقف أو مؤسسات إعلامية باسمها فإنه في هذه الحالة يحق لكل طرف النقد العلني المتبادل في مجال الأفكار المطروحة والمختلف حولها، للتصحيح والمناقشة والتخطئة، ولكل طرف الحق في نقد الآخر بشدة وعلانية لأن أصل هذه الأفكار منشورة إما ببرنامج أو صحيفة أو مواقع تواصل أو على منبر مسجد، وليست شيئا شخصيا غير معلن.
ولهذا الحديث عن المبتدع الذي ينشر بدعته ويدعو لها ليس في حقيقته تشهيرا به عند الرد عليه وفضحه فهو قد طرحها على المجتمع بأي وسيلة، أو حتى الذي يرتكب المعصية علانية وينشرها بنفسه في مقاطع أو برامج أو سوق، لهذا لا يحق لأي طرف الخروج عن أصل الخلاف إلى جوانب شخصية وذات خصوصية بحجج وهمية، ولو فتح هذا الباب لأصبح كل خلاف بين شخصين ولو على مبلغ مالي بسيط حجة للتشهير بخصوصيات الآخر.
تستطيع أن تدافع عما ترى أنه الحق والفضيلة بأي طريقة مشروعة، لكن الخروج لقضايا خاصة وشخصية وعائلية خارج موضوع الخلاف بأي أسلوب هو تجاوز أخلاقي وفضيحة للتيار وللشخص الذي يستعمله قبل أن يكون فضيحة لغيره. والبعض يضعف تحت إغراء أن المشاركة في هذه الأمور تزيد عدد المتابعين له. هناك قائمة طويلة من الأمثلة التي نشاهدها بين فترة وأخرى، بعضها تشهير بموظفين صغار أو معلمين أو مشاهير رياضيين أو دعاة وإعلاميين وفنانين إلخ، ويمر الكثير منها بدون تبعات لأن المتضرر يشعر أن كلفة المسار لأخذ حقه أكبر من المشكلة ذاتها، فيلتزم الصمت.. مع الشعور بالظلم.