وحدة المنهج بين المتطرفين دينيا والطاعنين في الإسلام
الأربعاء / 8 / جمادى الأولى / 1437 هـ - 20:30 - الأربعاء 17 فبراير 2016 20:30
كثيرون من المعنيين بالشأن الديني في مجتمعنا مصدومون من بروز ظواهر فكرية تنحو منحى التطرف، أو الطعن في الإسلام والتشكيك فيه، ويرون أن هذه الظواهر غريبة عن مجتمعنا، والحق أن تلك الظواهر وجدت في كل المجتمعات الإسلامية منذ القرن الأول الهجري مرورا بما تلاه من القرون كلها، وهي نتيجة من نتائج انتقال المجتمع من البساطة إلى التعقيد، فحيث تبرز الحضارة وتترسخ تفرز إيجابياتها وسلبياتها من كثرة المعرفة وتطور الصناعات ومن الاختلافات والانشقاقات والصراعات، أي أن وجود التيارات المتطرفة والتيارات الطاعنة في الدين هي من الظواهر التي تبرز نتيجة تحول المجتمع إلى مرحلة التعقيد.
وقد ساهم الانفتاح الإعلامي الهائل اليوم في الكشف عن وجود تلك التيارات أو الظواهر وزيادة عدد المتأثرين بها، وكثرة الكتابة فيها والتنظير لها، وقد عنيت فترة من الزمن بالقراءة في فكر تينك الظاهرتين فوقفت على أمر مدهش، وهو الوحدة المنهجية بين الظاهرتين مع التناقض الصارخ بين مخرجاتهما، فكلتا الظاهرتين (ظاهرة التطرف)، و(ظاهرة الطعن في الإسلام) يجمعهما فهم أحكام الإسلام على أنها كلها قطعية، وأن مناهج استنباط الأحكام، وتصحيح الحديث مناهج قطعية من الدين نفسه، فالمتطرفون يرفضون أي خلاف معهم في أي حكم من أحكام الدين، ويرون ذلك تمردا على الدين، وتفلتا من تعاليمه، والطاعنون في الإسلام يحتجون في طعنهم بكل ما يطلعون عليه من أحاديث، وأخبار، وقصص، وآراء لعلماء مسلمين مهما كانت شاذة أو ضعيفة على أنها أدلة قطعية تمثل حقيقة الدين، فيحتجون بها في طعنهم بالإسلام، فالمنهج في كلتا الظاهرتين واحد، ولهذا يسهل انتقال المتطرف الديني إلى ناقم وطاعن في الدين، والسبب في هذا منهجه القائم على فهم أحكام الدين كلها الفقهية والعقدية على أنها قطعية لا يجوز الخلاف فيها، وأن كل ما يمثل الدين من مناهج، وكتب، وعلماء، هو من الدين، والإشكال أن القائمين على الخطاب الديني لدينا يعززون تلك النظرة من حيث لا يشعرون، فهم لم يهتموا بتثقيف الجمهور بالمنهجية العلمية في فهم الدين، تلك المنهجية التي تراعي التراتبية في أحكام الدين، فتفرق بين ما هو ركن، وما هو واجب، وفهم مساحة الخلاف المتاح في ذلك كله، والفصل بين الثابت والمتغير منها، وتفرق بين أدلة الأحكام أن أدلة الدين، إذ منها ما هو قطعي الثبوت والدلالة، ومنها ما هو قطعي الثبوت وظني الدلالة، ومنها ما هو قطعي الدلالة وظني الثبوت، ومنها ما هو ظني الثبوت وظني الدلالة، وتوضح الكليات المجمع عليها التي تمثل ثابت الدين والفروع التي يسع فيها الخلاف، وأن الدين بأركانه وواجباته وقيمه يختلف عن منهج الاستنباط في الدين، فمناهج علماء الحديث في ضبط الحديث وروايته ومناهج علماء الأصول في طريقة استنباط الأحكام، كل ذلك ليس هو الدين، فالخلاف في تلك المناهج وعدم الأخذ ببعض نتائجها لا يعني رفض الدين أو الطعن فيه.
وقول عالم ما أو جمهرة من العلماء ليس هو الدين، بل هو فهم للدين قد يصح، وقد لا يصح، والموقف من عالم ما أو جمهرة من العلماء، وعدم الاقتناع بقولهم، لا يعني رفض الدين أو الطعن فيه، هذا الخلط الذي يعاني منه الجمهور المتدين لم يقتصر على محدودي الثقافة والتعليم، بل هو يكاد يكون يعم الشريحة المتلقية للخطاب الديني، وقد سمعت حديثا لأستاذ جامعي يستشكل بعض ما يراه تناقضا ويتبنى أطروحات تطعن في الدين نفسه، وكان منهجه في هذا منهج الخلط بين الأدلة وعدم استيعاب منهج التراتبية في تنزيل الأدلة، والتفريق بين ما هو دين وما هو منهج دراسة للدين، فهو مثلا يستدل على أن القرآن غير في عهد الأمويين برواية لقراءة ابن مسعود وهي رواية آحاد، ويقابل بها الرواية المنقولة بالتواتر والمجمع عليها وهذا قصور منهجي في التعامل مع الرواية النقلية، ويتهم كبار الصحابة بالنفاق استقراء لرواية وحيدة مبهمة عن حذيفة، لم يصرح بها بأسماء المنافقين، وفي الوقت نفسه يترك مئات الأحاديث الصحيحة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) والأقوال المأثورة عن جمهور الصحابة التي تجعلهم في المرتبة العليا في الإيمان والتقى، ولهذا جرى التسليم لهم بالسلطة السياسية من الغالبية العظمى من الصحابة، ولا شك أن العمل منه ناتج عن عقلية تزحزحت لديها اليقينية نتيجة منهج سابق يقوم على القطعية والتسليم التام بكل ما يمت للدين بصلة من أحكام وأحاديث وعلماء وآراء وأحداث دون تمحيص، فلما تزعزعت مسلمة واحدة انهار البناء كله، وأصبح كل ما يمت للدين قابل للطعن والتشكيك بأدنى دليل مهما كان، وأدنى إشارة عابرة.
كم أتمنى أن يدرك المعنيون بالخطاب الديني أن تربية الشباب على التسليم المطلق من دون فحص ومناقشة، ومن دون التحصن بمنهجية صارمة في فهم تراتبية الأدلة، سيحول ـ من حيث لا يشعرون - إلى حالات رفض للدين نفسه عند أول شبهة تعرض للشاب، حيث تزعزع قناعته في قضية دينية واحدة، ثم ما تلبث أن كل القناعات، كمثل بناء تزحزح منه حجر واحدة فانهار كله.
وقد ساهم الانفتاح الإعلامي الهائل اليوم في الكشف عن وجود تلك التيارات أو الظواهر وزيادة عدد المتأثرين بها، وكثرة الكتابة فيها والتنظير لها، وقد عنيت فترة من الزمن بالقراءة في فكر تينك الظاهرتين فوقفت على أمر مدهش، وهو الوحدة المنهجية بين الظاهرتين مع التناقض الصارخ بين مخرجاتهما، فكلتا الظاهرتين (ظاهرة التطرف)، و(ظاهرة الطعن في الإسلام) يجمعهما فهم أحكام الإسلام على أنها كلها قطعية، وأن مناهج استنباط الأحكام، وتصحيح الحديث مناهج قطعية من الدين نفسه، فالمتطرفون يرفضون أي خلاف معهم في أي حكم من أحكام الدين، ويرون ذلك تمردا على الدين، وتفلتا من تعاليمه، والطاعنون في الإسلام يحتجون في طعنهم بكل ما يطلعون عليه من أحاديث، وأخبار، وقصص، وآراء لعلماء مسلمين مهما كانت شاذة أو ضعيفة على أنها أدلة قطعية تمثل حقيقة الدين، فيحتجون بها في طعنهم بالإسلام، فالمنهج في كلتا الظاهرتين واحد، ولهذا يسهل انتقال المتطرف الديني إلى ناقم وطاعن في الدين، والسبب في هذا منهجه القائم على فهم أحكام الدين كلها الفقهية والعقدية على أنها قطعية لا يجوز الخلاف فيها، وأن كل ما يمثل الدين من مناهج، وكتب، وعلماء، هو من الدين، والإشكال أن القائمين على الخطاب الديني لدينا يعززون تلك النظرة من حيث لا يشعرون، فهم لم يهتموا بتثقيف الجمهور بالمنهجية العلمية في فهم الدين، تلك المنهجية التي تراعي التراتبية في أحكام الدين، فتفرق بين ما هو ركن، وما هو واجب، وفهم مساحة الخلاف المتاح في ذلك كله، والفصل بين الثابت والمتغير منها، وتفرق بين أدلة الأحكام أن أدلة الدين، إذ منها ما هو قطعي الثبوت والدلالة، ومنها ما هو قطعي الثبوت وظني الدلالة، ومنها ما هو قطعي الدلالة وظني الثبوت، ومنها ما هو ظني الثبوت وظني الدلالة، وتوضح الكليات المجمع عليها التي تمثل ثابت الدين والفروع التي يسع فيها الخلاف، وأن الدين بأركانه وواجباته وقيمه يختلف عن منهج الاستنباط في الدين، فمناهج علماء الحديث في ضبط الحديث وروايته ومناهج علماء الأصول في طريقة استنباط الأحكام، كل ذلك ليس هو الدين، فالخلاف في تلك المناهج وعدم الأخذ ببعض نتائجها لا يعني رفض الدين أو الطعن فيه.
وقول عالم ما أو جمهرة من العلماء ليس هو الدين، بل هو فهم للدين قد يصح، وقد لا يصح، والموقف من عالم ما أو جمهرة من العلماء، وعدم الاقتناع بقولهم، لا يعني رفض الدين أو الطعن فيه، هذا الخلط الذي يعاني منه الجمهور المتدين لم يقتصر على محدودي الثقافة والتعليم، بل هو يكاد يكون يعم الشريحة المتلقية للخطاب الديني، وقد سمعت حديثا لأستاذ جامعي يستشكل بعض ما يراه تناقضا ويتبنى أطروحات تطعن في الدين نفسه، وكان منهجه في هذا منهج الخلط بين الأدلة وعدم استيعاب منهج التراتبية في تنزيل الأدلة، والتفريق بين ما هو دين وما هو منهج دراسة للدين، فهو مثلا يستدل على أن القرآن غير في عهد الأمويين برواية لقراءة ابن مسعود وهي رواية آحاد، ويقابل بها الرواية المنقولة بالتواتر والمجمع عليها وهذا قصور منهجي في التعامل مع الرواية النقلية، ويتهم كبار الصحابة بالنفاق استقراء لرواية وحيدة مبهمة عن حذيفة، لم يصرح بها بأسماء المنافقين، وفي الوقت نفسه يترك مئات الأحاديث الصحيحة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) والأقوال المأثورة عن جمهور الصحابة التي تجعلهم في المرتبة العليا في الإيمان والتقى، ولهذا جرى التسليم لهم بالسلطة السياسية من الغالبية العظمى من الصحابة، ولا شك أن العمل منه ناتج عن عقلية تزحزحت لديها اليقينية نتيجة منهج سابق يقوم على القطعية والتسليم التام بكل ما يمت للدين بصلة من أحكام وأحاديث وعلماء وآراء وأحداث دون تمحيص، فلما تزعزعت مسلمة واحدة انهار البناء كله، وأصبح كل ما يمت للدين قابل للطعن والتشكيك بأدنى دليل مهما كان، وأدنى إشارة عابرة.
كم أتمنى أن يدرك المعنيون بالخطاب الديني أن تربية الشباب على التسليم المطلق من دون فحص ومناقشة، ومن دون التحصن بمنهجية صارمة في فهم تراتبية الأدلة، سيحول ـ من حيث لا يشعرون - إلى حالات رفض للدين نفسه عند أول شبهة تعرض للشاب، حيث تزعزع قناعته في قضية دينية واحدة، ثم ما تلبث أن كل القناعات، كمثل بناء تزحزح منه حجر واحدة فانهار كله.