الرأي

قصة صاحبي وصاحبه

كل إنسان يبدأ حياته ببساطة ويرسم لنفسه أحلاما ويخطط لها، ويطمح لتحقيقها، فقط سقف تلك الأحلام يختلف من شخص إلى آخر، فهناك من يطمح ليكون موظفا أو عسكريا أو مهندسا أو طبيبا أو وزيرا أو مخترعا أو رجل أعمال أو غير ذلك من الطموحات.

ولكن السؤال البسيط هو: هل كل من حلم بحلم حققه؟ طبعا لا، فكلما ارتفع سقف الحلم قلت فرص تحقيقه، وتطلب جهدا مضاعفا، فهناك معطيات على الأرض تكون حاسمة ومؤثرة في سبيل تحقيق تلك الأحلام، قال لي أحد أصحابي إنه كان أحد هؤلاء الحالمين الذين كانت - ولا زالت - أحلامهم كبيرة! انطلقت أحلامه من مهدها، فحاول أن يحقق شيئا منها، تدرج في مراحل العمل الشاق، عانى من محطات الفشل والأخطاء والتحديات، تسلح بالإيمان بالله، ثم الإرادة والإصرار، حاول بعد كل سقوط أن يتماسك ويعود للوقوف من جديد، تعلم من مدرسة الحياة ما لم يقرأه في الكتب والمجلدات، صبر حتى قال له الصبر (وبشر الصابرين)، فجأة وبدون مقدمات بعث الله له شخصا غير حياته، واختصر عليه الزمن والجهد، نعم إنه شخص استثنائي في كل شيء، ولكنه إنسان بكل ما تعنيه الكلمة، يحمل قلبا كبيرا محبا للناس جميعا، يحفظ الحقوق ويحفز بلا حدود، يتجاوز الأخطاء، ويثني على الإنجاز، يمنحك حلولا متعددة.

لا يشعرك عند لقائه إلا بالتواضع وحسن التعامل، قدم له كل شيء يحلم به، بل تجاوز أحلامه، فهو دائما يدفعه نحو النجاح، أحدث في حياته نقلة نوعية، معه تغيرت هويته، ولكن صاحبي احتار كيف يرد له الجميل، هل يهدي له سيارة؟ يا الله لديه من السيارات ما لا يوجد عند غيره (ما شاء الله)، إذا سيهديه ساعة فاخرة، ولكن الحقيقة تقول إن لديه أكثر الساعات روعة وقيمة، حاول أن يقتنص أي فرصة لرد الجميل حتى بدأ الشيب يضيء في رأسه، وكاد اليأس أن يتسلل إلى قلبه، ولكن وبدون أي مقدمات جاءت الفرصة من الله، وتوج الله إنسانية صاحبه وحكمته وذكاءه وبعد نظره، بأن تولى منصبا رفيعا، فقال صاحبي إنها الفرصة لتهنئته أمام الملأ، لأن تلك التهنئة لم تكن من أجل شيء يرجاه، ولكنها من أجل شيء حصل عليه مسبقا.

حاول أن يحجز لهذه التهنئة أهم الصفحات، لتليق بمقامه الكريم، سمع بأن أحد الأشخاص يقول إن ما قام به نفاق اجتماعي، ومن أجل المصالح، وقال بينه وبين نفسه (كل يرى الناس بعين طبعه)، ولم يعلم أن تلك هي الهدية المنتظرة التي أوصل من خلالها رسالته للجميع، بأنه ما يزال يدين له بالفضل والولاء، فهذا هو الموقف الوحيد الذي استطاع أن يرد له جزءا من جميله عليه، حمدا لله لأن صاحبي شعر بالسعادة، فقد عبر له عن مشاعر الشكر والعرفان، لأنه أحسن له فيما سلف، وسيبقى مدينا له طوال حياته، وأوصى أبناءه من بعده أن يدعوا له، ويشكروه على الملأ كل ما لاحت فرصة.

وقال لي إن من أصعب المواقف أن تدين بالفضل لمن لا يحتاج لك، وتقف عاجزا عن رد معروفه، لن أخبركم من يكون صاحبي، لأنه لم يخبرني من هو صاحب المعروف؟ لأن ما بينهما حب في الله صادق، ولأنه يعلم أنه لا يحب الثناء، ويفضل النقد، وتمنى أن يديم الله هذا الود، وقال لي يكفيني أنه يعرفني ويعرف أنه المقصود، وقال إنه سيبقى تاجا على رأسه ما بقي حيا، ودعونا الله أن يوفقه لما يحب ويرضى، وأن يعينه على أداء عمله، وأن تتكرر الفرص التي يقدم له صاحبي المزيد من التهاني.

وقبل الختام أريد أن أسألكم سؤالا، إذا عجزنا عن شكر البشر على إحسانهم لنا، فكيف بالله عليكم سنشكر رب البشر؟ الذي وهبنا الحياة، وأوجدنا من العدم وعلمنا ما لم نعلم، وحفظنا بالبحر والبر وأطعمنا من الجوع، وأمنا من الخوف، ومع ذلك نقول ما قاله الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم (من لا يشكر الناس لا يشكر الله).

قال لي صاحبي إنه متفائل أن صاحب المعروف عليه سيقوم بنفس الفعل مع كل من هم تحت قيادته، مهما كثروا، وسيكون وجه خير على الجميع، وسيسعى لتحقيق أحلامهم بإذن الله.

وفي الختام اشكروا الله على نعمه العظيمة لتدوم، واشكروا كل من أسدى لكم معروفا، لكي لا ينقطع المعروف.