كلام مظلوم وحقيقة ظالمة
الاحد / 5 / جمادى الأولى / 1437 هـ - 00:30 - الاحد 14 فبراير 2016 00:30
روي أنّ رجلا وامرأته اختصما إلى أمير من أمراء العراق، وكانت المرأة جميلة في النقاب، بشعة في غيره، وكان لها لسان حسن فأقنعت القاضي بظلم زوجها لها، فأسرع زوجها ونزع النقاب عن وجهها! فقال الأمير: عليكِ اللعنة، كلام مظلوم ووجه ظالم.
وهذه القصة تصلح لكل أحوال الزيف في العالم، فبقدر ما هناك مظلومون، هناك أيضا من يعتاشون على حالات الظلم هذه ويستغلونها لمصالحهم الشخصية، فتبدو لنا القصة بغير الشكل الذي يتبدى عليه الوجه الآخر للمأساة حيث القُبح المتدثّر باستجاشة العواطف.
من هذه الحالات إيقاف الأمن الكويتي لسبعة وافدين سوريين استغلوا مأساة شعبهم في جمع تبرعات عينية تحت مظلة مبرة خيرية مزيفة باسم «شجرة الخير». لم ينتظر هؤلاء شجرة الخير حتى تُثمر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ماديا وعينيا؛ مثلما فعل من قبلهم الذين تم اكتشاف أمر تحايلهم في عددٍ من الدول، بل قام هؤلاء بتوزيع الأكياس على مداخل البيوت، ثم جمع محتوياتها وما تكرّم به الخيّرون من أجهزة وأثاث وغيرها، وقاموا ببيع ما تحصلوا عليه في سوق المواد المستعملة.
يقودنا هذا التحايل إلى ظاهرة التسول وهي رغم خطورتها إلّا أنّ استشراءها يعمل في اتجاهين متقاطعين. الاتجاه الأول هو الحكم بأنّ كل المتسولين محتالون وخلفهم عصابات تدير هذه العمليات، وهذا من شأنه أن يقلّل المروءة في الناس ويجفّف منابع الخير في النفوس. أما الاتجاه الثاني فهو الاستغفال مثل ذاك الذي أنتج مليونيرة جدة المتسولة.
أخذ التسول أنماطا متعددة في المجتمعات العربية، فهناك من يتقدمون بالعرائض للمارة في الطريق، ومنهم من يطرق أبواب المسؤولين ورجال الأعمال، ومنهم النساء اللاتي يتقدمن بروشتات مرضية، مستخدمات كل وسائل الاستعطاف أو يحملن أطفالا رضعا يستجدين بهم ثمن الحليب. ولا تخلو الصورة المقيتة اليومية والمتكررة على أطراف الشوارع من أطفال يحملون أوراقا كُتبت بخط رديء يدّعون الصمم والبكم. وتتركز المطالب عادة حول مبلغ للعلاج أو إطعام طفل صغير، وما إلى ذلك من الأشياء التي تؤثر في عواطف المارة الماضين في طريقهم لقضاء أغراض مختلفة راكبين أو راجلين، وكلٌّ يحمل همه المختلف عن الآخر فتتداعى إلى ذهنه صور متقاطعة، مثل: ماذا لو كانت هذه الطفلة تفتقر إلى الحليب فعلا؟ أو هذا الطفل جائع حقّا؟ وبالطبع لا يفكر الشخص المستجدَى في هذا الأمر بصورة مباشرة، ولكن تأتي إليه هذه الأحاسيس مصحوبة بتقاطعات صور كثيرة تحتاج بالتأكيد إلى مونتاج حتى تصل إلى شكلها الإنساني المجرد.
عندما يمر هذا المشهد على كلٍّ منا يفكر كثيرا، مرة بعواطفه بأن يلبي حاجة هذا المسكين الآنية، ومرة بعقله: هل إذا حلّ هذه المشكلة اليوم سيضمن أنّه لن يجوع غدا؟ أم إنّ هناك دورا يجب أن نقوم به بمعاونة الكل: المجتمع والدولة، بأن يتعلم هذا المسكين حرفة تقيه ذل السؤال «لأن يأخذ أحدكم حبله على ظهره فيأتي بحزمة من الحطب فيبيعها، فيكفّ الله بها وجهه، خيرٌ من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه» (رواه البخاري). وعن أبي سعيد الخدري: «أنّ ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفد ما عنده قال: ما يكون عندي من خير فلن أدّخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يُغنه الله، ومن يتصبّر يصبّره الله، وما أعطي أحدٌ من عطاء أوسع من الصبر» (رواه الستة إلّا ابن ماجة).
ما تؤكده هذه الظاهرة أيّا كان اسمها والتي لا تخرج عن الاستغلال لحاجة إنسانية ومآسي شعوب أو حاجة شخصية، هو إفرازها للعديد من الظواهر السيئة والتي تقود إلى الجريمة المنظمة. وأنّ من ينتهجونها لتحقيق الكسب السريع فاقوا حتى ميكيافيللي في سوء الوسيلة والغاية معا.
وهذه القصة تصلح لكل أحوال الزيف في العالم، فبقدر ما هناك مظلومون، هناك أيضا من يعتاشون على حالات الظلم هذه ويستغلونها لمصالحهم الشخصية، فتبدو لنا القصة بغير الشكل الذي يتبدى عليه الوجه الآخر للمأساة حيث القُبح المتدثّر باستجاشة العواطف.
من هذه الحالات إيقاف الأمن الكويتي لسبعة وافدين سوريين استغلوا مأساة شعبهم في جمع تبرعات عينية تحت مظلة مبرة خيرية مزيفة باسم «شجرة الخير». لم ينتظر هؤلاء شجرة الخير حتى تُثمر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ماديا وعينيا؛ مثلما فعل من قبلهم الذين تم اكتشاف أمر تحايلهم في عددٍ من الدول، بل قام هؤلاء بتوزيع الأكياس على مداخل البيوت، ثم جمع محتوياتها وما تكرّم به الخيّرون من أجهزة وأثاث وغيرها، وقاموا ببيع ما تحصلوا عليه في سوق المواد المستعملة.
يقودنا هذا التحايل إلى ظاهرة التسول وهي رغم خطورتها إلّا أنّ استشراءها يعمل في اتجاهين متقاطعين. الاتجاه الأول هو الحكم بأنّ كل المتسولين محتالون وخلفهم عصابات تدير هذه العمليات، وهذا من شأنه أن يقلّل المروءة في الناس ويجفّف منابع الخير في النفوس. أما الاتجاه الثاني فهو الاستغفال مثل ذاك الذي أنتج مليونيرة جدة المتسولة.
أخذ التسول أنماطا متعددة في المجتمعات العربية، فهناك من يتقدمون بالعرائض للمارة في الطريق، ومنهم من يطرق أبواب المسؤولين ورجال الأعمال، ومنهم النساء اللاتي يتقدمن بروشتات مرضية، مستخدمات كل وسائل الاستعطاف أو يحملن أطفالا رضعا يستجدين بهم ثمن الحليب. ولا تخلو الصورة المقيتة اليومية والمتكررة على أطراف الشوارع من أطفال يحملون أوراقا كُتبت بخط رديء يدّعون الصمم والبكم. وتتركز المطالب عادة حول مبلغ للعلاج أو إطعام طفل صغير، وما إلى ذلك من الأشياء التي تؤثر في عواطف المارة الماضين في طريقهم لقضاء أغراض مختلفة راكبين أو راجلين، وكلٌّ يحمل همه المختلف عن الآخر فتتداعى إلى ذهنه صور متقاطعة، مثل: ماذا لو كانت هذه الطفلة تفتقر إلى الحليب فعلا؟ أو هذا الطفل جائع حقّا؟ وبالطبع لا يفكر الشخص المستجدَى في هذا الأمر بصورة مباشرة، ولكن تأتي إليه هذه الأحاسيس مصحوبة بتقاطعات صور كثيرة تحتاج بالتأكيد إلى مونتاج حتى تصل إلى شكلها الإنساني المجرد.
عندما يمر هذا المشهد على كلٍّ منا يفكر كثيرا، مرة بعواطفه بأن يلبي حاجة هذا المسكين الآنية، ومرة بعقله: هل إذا حلّ هذه المشكلة اليوم سيضمن أنّه لن يجوع غدا؟ أم إنّ هناك دورا يجب أن نقوم به بمعاونة الكل: المجتمع والدولة، بأن يتعلم هذا المسكين حرفة تقيه ذل السؤال «لأن يأخذ أحدكم حبله على ظهره فيأتي بحزمة من الحطب فيبيعها، فيكفّ الله بها وجهه، خيرٌ من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه» (رواه البخاري). وعن أبي سعيد الخدري: «أنّ ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفد ما عنده قال: ما يكون عندي من خير فلن أدّخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يُغنه الله، ومن يتصبّر يصبّره الله، وما أعطي أحدٌ من عطاء أوسع من الصبر» (رواه الستة إلّا ابن ماجة).
ما تؤكده هذه الظاهرة أيّا كان اسمها والتي لا تخرج عن الاستغلال لحاجة إنسانية ومآسي شعوب أو حاجة شخصية، هو إفرازها للعديد من الظواهر السيئة والتي تقود إلى الجريمة المنظمة. وأنّ من ينتهجونها لتحقيق الكسب السريع فاقوا حتى ميكيافيللي في سوء الوسيلة والغاية معا.