كلمة أولى في المنهج
الجمعة / 3 / جمادى الأولى / 1437 هـ - 21:30 - الجمعة 12 فبراير 2016 21:30
كتبت عام 1413 طائفة من المقالات عن حركة النقد الأدبي في المملكة، وكانت غايتي أن أرسم له ملامح تصله بالمنهج، منذ خرج نقد الأدب عن أن يكون تعبيرا بريئا ساذجا يعبِّر به قائله عن أثر أدبي قرأه، إلى أن أصبح النقد ذا أصول وقواعد، والنقاد يتوزعون إلى مذاهب واتجاهات، فإذا بنا إزاء أفكار مختلفة تتعدد وتتنوع كلما تقدم بنا الزمان، فأنشأت أقرأ معالم النقد الأدبي منذ بواكيره الأولى إلى وثبته العظيمة، حين استهوت المناهج النقدية الحديثة أساتذة الأدب والنقاد في الجامعات والصحف، فألفينا أنفسنا وسط هالة من الأفكار والمناهج، وجعلنا نردد كلمات ومصطلحاتٍ شاعت في تلك الحقبة، يثبت فيها الناقد والأديب والمثقف والقارئ العام المقدار الذي أصابه من معرفة المناهج النقدية الحديثة، حتى شاعت تلك المصطلحات في كلام الناس، سواء وعى صاحبه ما يرمي إليه ذلك المصطلح أم لم يَعِ.
لم يكن من استهوته المناهج النقدية الحديثة، وأنا في ساقتهم، لينظروا إلى من سواهم ممن له في قراءة الأدب وفهمه منهج يباين ما عليه المؤمنون بالمناهج النقدية الحديثة، وظننا، وسأتحدث منذ هذه اللحظة، بضمير المتكلم، أن الفهم الحقيقي للأدب، والسبيل الصحيح إليه هو ما قرأته في مناهج النقد الحداثي وما بعد الحداثي، وكلما أوغلت في قراءة تلك الكتب والبحوث ازددت إعراضا عن كل نقد لم يختط لنفسه ذلك الطريق، حتى ظننت أن «العلم» كل العلم ما جاء في لبوس من الكلم الحديث الذي يملأ عليك سمعك وبصرك بوفرة من المصطلحات والتشقيقات، لا تخرج منها، إذا انتحلت شيئا منها، إلا وأنت زاهد بكل نقد لا يسير على هذه الطريقة، يستوي في ذلك نقد طه حسين والعقاد وزكي مبارك ومنصور الحازمي وشاكر النابلسي وعبدالله الحامد ومحمد بن سعد بن حسين.
وأنا لا أنفي عن النقد الحداثي فوائده، ويكفي أنني أدركت أن النقد بمقدوره أن يكون ذا منهج سليم في النظر، وأنا طالب في الجامعة، والطريف في الأمر أنني لم أهتدِ إلى ذلك من كتاب ندْرسه، ولا محاضرة اختلفنا إليها. عرفت ذلك حين قرأت فصولا بديعة كتبها الفيلسوف زكي نجيب محمود في كتابه «قشور ولباب»، وكان فيلسوف الوضعية المنطقية ذا ذوق أدبي رفيع، ولغة بيانية رشيقة، وهو، فوق ذلك، مؤمن كل الإيمان أن النقد الأدبي «علم»، وأن بإمكاننا أن ندرس الآثار الأدبية كما يدرس الكيميائي والفيزيائي العلم الصحيح في المختبر! لكن زكي نجيب محمود الذي استهوته مدرسة النقد الجديد في أمريكا وبريطانيا، لم يكد يجد له في المدة التي وضع فيها كتابه أشياعا ومريدين كثرا، فزمن إنشاء تلك الفصول لم يكن ليؤمن بأدب ولا نقد إلا ما كانت القومية والاشتراكية ودعاوَى المضمون لحمته وسداه، ولم يصب أصحاب النقد الجديد من النجاح إلا قدرا محدودا، فبحَّتْ أصواتهم وما من مجيب!
bafaqih.h@makkahnp.com
لم يكن من استهوته المناهج النقدية الحديثة، وأنا في ساقتهم، لينظروا إلى من سواهم ممن له في قراءة الأدب وفهمه منهج يباين ما عليه المؤمنون بالمناهج النقدية الحديثة، وظننا، وسأتحدث منذ هذه اللحظة، بضمير المتكلم، أن الفهم الحقيقي للأدب، والسبيل الصحيح إليه هو ما قرأته في مناهج النقد الحداثي وما بعد الحداثي، وكلما أوغلت في قراءة تلك الكتب والبحوث ازددت إعراضا عن كل نقد لم يختط لنفسه ذلك الطريق، حتى ظننت أن «العلم» كل العلم ما جاء في لبوس من الكلم الحديث الذي يملأ عليك سمعك وبصرك بوفرة من المصطلحات والتشقيقات، لا تخرج منها، إذا انتحلت شيئا منها، إلا وأنت زاهد بكل نقد لا يسير على هذه الطريقة، يستوي في ذلك نقد طه حسين والعقاد وزكي مبارك ومنصور الحازمي وشاكر النابلسي وعبدالله الحامد ومحمد بن سعد بن حسين.
وأنا لا أنفي عن النقد الحداثي فوائده، ويكفي أنني أدركت أن النقد بمقدوره أن يكون ذا منهج سليم في النظر، وأنا طالب في الجامعة، والطريف في الأمر أنني لم أهتدِ إلى ذلك من كتاب ندْرسه، ولا محاضرة اختلفنا إليها. عرفت ذلك حين قرأت فصولا بديعة كتبها الفيلسوف زكي نجيب محمود في كتابه «قشور ولباب»، وكان فيلسوف الوضعية المنطقية ذا ذوق أدبي رفيع، ولغة بيانية رشيقة، وهو، فوق ذلك، مؤمن كل الإيمان أن النقد الأدبي «علم»، وأن بإمكاننا أن ندرس الآثار الأدبية كما يدرس الكيميائي والفيزيائي العلم الصحيح في المختبر! لكن زكي نجيب محمود الذي استهوته مدرسة النقد الجديد في أمريكا وبريطانيا، لم يكد يجد له في المدة التي وضع فيها كتابه أشياعا ومريدين كثرا، فزمن إنشاء تلك الفصول لم يكن ليؤمن بأدب ولا نقد إلا ما كانت القومية والاشتراكية ودعاوَى المضمون لحمته وسداه، ولم يصب أصحاب النقد الجديد من النجاح إلا قدرا محدودا، فبحَّتْ أصواتهم وما من مجيب!
bafaqih.h@makkahnp.com