الرأي

عبدالمجيد شبكشي.. وصورتنا في الخارج

خالد عبدالرحيم المعينا
لو كان الأستاذ عبدالمجيد شبكشي –يرحمه الله- حيا بيننا اليوم، لكتب نفس المقال الذي دبجه في صحيفة البلاد يوم 21 محرم 1385 الموافق الـ22 من مايو عام 1965 بعنوان «صورتنا في الخارج».

وفي ذلك المقال، تحسر (رحمه الله) عن سوء الفهم والمعلومات المغلوطة والصورة المشوهة عن السعودية في الخارج، وقال إنه حتى الإخوة العرب في بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا (الغربية في ذلك الوقت) لا يعرفون شيئا عن المملكة!

وطالب بتعيين ملحقين إعلاميين بسفاراتنا في الخارج وتوزيع الكتب والمطبوعات التي تعكس صورة إيجابية عن بلادنا.

لقد مر على ذلك المقال حتى الآن أكثر من نصف قرن وما زال كتاب الرأي والأعمدة يقولون الشيء نفسه، باستثناء حقيقة واحدة هي أن الصورة السالبة التي وضعها الكاتب شبكشي عننا وهي أننا شعب يعيش في الخيام ويركب الجمال لم تعد باقية إذ إنها تطورت إلى الأسوأ.

لقد ازدادت صورتنا سوءا في عيون العالم الخارجي الذي أصبح ينظر إلينا باعتبارنا دولة ترعى الإرهاب، وتشجع الإرهابيين، وتكره الآخرين، وتضطهد المرأة، وتعذب العمال الأجانب وغيرها من اتهامات لا أول لها ولا آخر.

ولعل ملامح الصورة المشوهة عننا بدأت تتشكل عقب أحداث الـ11 من سبتمبر عام 2001 التي مثلت نقطة تحول فارهة لا نزال نعاني من آثارها وتداعياتها حتى اليوم.

وقد حاولنا، حقيقة، أن ننفي عن أنفسنا هذه التهم الباطلة، لكننا عملنا ذلك بالأساليب الخاطئة، فأرسلنا الوفود تلو الأخرى إلى الولايات المتحدة (وكأنها الدولة الوحيدة في العالم)، واجتمعت هذه الوفود بنفس الناس واستخدمت التعبيرات التي لا يفهمونها ولا تعني لهم شيئا، وكذلك استعنا بشركات علاقات عامة ودفعنا لهم مبالغ طائلة وللأسف لم نستفد أي شيء من حملاتهم لتحسين صورة بلادنا!

وعلى سبيل المثال، فقد قال أحد أعضاء الوفود التي أرسلناها إلى الولايات المتحدة وهو يتحدث إلى بعض المواطنين في مدينة نيويورك عام 2003 إننا نحب بيتزا نيويورك! وقد استغرب الحضور هذا القول فالبيتزا صناعة إيطالية وليست اختراعا أمريكيا!

وقال آخر إننا الحلفاء الوحيدون للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لكن سرعان ما ألقمه مواطن أمريكي حجرا وهو يذكره بأن لأمريكا حليفا أكبر في الشرق الأوسط وهو إسرائيل!

وبالطبع فإن كثيرا من الأمور قد تغيرت منذ زمن طيب الذكر عبدالمجيد شبكشي غير أن واقع الحال ظل كما هو: صورة مشوهة ومغلوطة، عن المملكة في أذهان الغرب والغربيين.

وبفضل التطور التكنولوجي المخيف وظهور وسائل الاتصال السريعة ومنتديات قوقل وغيرها أصبح حتى الهمس يتسرب إلى ويكيليكس أو منظمة ميموري الإسرائيلية التي تراقب كل حركاتنا وسكناتنا على مدار الساعة وتقوم فورا بنشرها على الملأ.

ماذا، فعلنا إذن لتحسين صورتنا في الخارج على نحو ما طالب به عبدالمجيد شبكشي طيب الله ثراه؟

ولعل أول الأخطاء التي ارتكبناها هو التركيز على الولايات المتحدة دون غيرها من دول العالم. وثاني هذه الأخطاء هو تجاهل ملايين المقيمين الذين يعيشون بيننا حيث كان بالإمكان جعلهم سفراء حقيقيين لنا، لكننا تجاهلنا هذه الحقيقة البسيطة وبدلا عن ذلك جعلناهم لا يحبوننا بل ينفرون من كل ما هو سعودي، ولولا قسوة العيش لغادروا بلادنا في اليوم التالي لوصولهم.

وفي غمرة تكالبنا على واشنطن ونيويورك نسينا الدول الآسيوية التي يتمتع كثير منها بعلاقات قوية مع أمريكا، وكان يمكن أن نفيد منها كثيرا في هذا الجانب.

وفي الواقع فإن القضايا العمالية المتعلقة بالعمالة الوافدة من هذه الدول قد شوهت صورتنا لديها، وزاد من سوء هذه الصورة المشوهة تعاملنا غير الإنساني مع العمال الوافدين والذين يتحدثون عنا بكل سوء عندما يعودون إلى بلادهم.

ولعل آخر إبداعاتنا في هذا الجانب هو أنه بينما أكتب هذه السطور، يفكر مقيم باكستاني في الانتحار؛ لأن كفيله قد ألصق به تهمة «الهروب»، وهي التكأة التي يلجأ إليها بعض الكفلاء لمجرد خلافات بسيطة مع مكفوليهم، أو لمجرد التفنن في تعذيبهم.

وأصبح الباكستاني المسكين سجينا لا يقدر على السفر إلى بلاده لرؤية ابنته طريحة الفراش في المستشفى.

وكيف، إذن، لصورتنا أن تتحسن بمثل هذه الممارسات؟ ألا تمثل هذه المواقف أسوأ حملة علاقات عامة لتحسين الصورة المشوهة؟

وأقول هنا بكل الصدق إن وزارة العمل لم تأل جهدا للتخفيف من معاناة العمال المقيمين، وإنصافهم وتوفير أقصى درجات العدالة لهم، وهذه جهود مشكورة ومقدرة بلا شك، لكن من المهم أيضا أن يحرص المواطنون على ألا تقع مثل هذه الحوادث.

ولا أنكر أن هناك من يتعمدون تشويه صورتنا، والذين يجدون متعة خاصة في ترويج الأكاذيب والافتراءات عننا، والذين لا عمل لهم غير بث الأخبار المغلوطة عن السعودية والسعوديين، ويبقى علينا اتخاذ التدابير والإجراءات المناسبة لدحض هذه الافتراءات ووقف هذه الأكاذيب.

ولدينا الكثير من القصص المشرقة التي يمكن أن نرويها عن البلاد الكريمة والمواطنين الشرفاء، لكننا ببساطة لا نعرف كيف نرويها بالأسلوب المقنع للآخرين، وأخشى ما أخشاه أن يجيء كاتب ما يستشهد – لا سمح الله - بعد سنوات من الآن بما كتبته على نحو ما فعلت بمقال كاتبنا الراحل الأستاذ عبدالمجيد شبكشي.