الأمر بالمعروف في دولة مدنية!
الجمعة / 3 / جمادى الأولى / 1437 هـ - 00:45 - الجمعة 12 فبراير 2016 00:45
حين نمد أبصارنا في عرض التاريخ سنجد أن (فتنة الحنابلة) التي أوردها ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) يمكن أن تؤسس الوعي بمفاهيم (المعروف والمنكر) التي لا تزال المدونة الفقهية الحنبلية (تحديدا) تحملها كصورة متخيلة عن ثنائية المعروف والمنكر في المستوى التطبيقي. لكن هذا الأمر يفتح سؤالا كهذا: هل لو تغيرت الذهنية الفقهية أو (تنوعت) فهل ستنتهي مشكلات التعامل الخشن لأعضاء هيئة الأمر بالمعروف؟
تظل مشكلة الوعي الفقهي أنه (تراكمي) لا تجديدي، أي إنه يحمل ذلك الإرث الاجتهادي السابق، ثم يضيف إليه ما يستجد في عصره – وفق ذات الأدوات التقليدية – فيصنع قالبه الخاص ثم يجبر الواقع الزمني أن يتقولب فيه، وهذا الذي صنع الإشكالية الفقهية اليوم في تعاطيها مع هذا الواقع.
وبالتالي فالمشكلة ليست (حنبلية) فقط، بل هي فقهية (إدراكية) عامة عند الجميع، كما أنها تربوية أيضا، حيث مفاهيم الذوق والأخلاق في عرض الرأي الفقهي والتي ستعطي الشكل النهائي لتنفيذ مهام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأرض.
ما يهمنا الآن هو كيف يمكن أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أداء ينسجم مع شكل (الدولة المدنية)، وهنا سنجد أننا مجبرون على العودة إلى ذات الحاضنة الفقهية وإعادة تأملها من جديد، وهذا بطبيعة الحال في سياق الدعوة إلى التصحيح الديني إجمالا، فقهيا وتربويا، والنظر بعين الواقع لا بالحمولة الثقافية التي تستند إلى ثقافة عصور مضت.
فعليا نحتاج إلى شجاعة فقهية كافية لإحداث شيء من (ردم الفجوة) بين الزمن والثقافة المحركة التي تختزن أشكالا محددة من التعاطي مع الحياة وفهمها.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمارس فعليا في دول الغرب، وعلى شكل هيئات و(مؤسسات مجتمع مدني) وصحافة وإعلام، وبالتالي فالمفهوم (الحسبوي) متحقق في تلك الدول (العلمانية) بكل احتراف وجودة، ولكن حين يتم اختزاله في جهاز (واحد) فقط هو المعني بأداء المهام (الاحتسابية) وذات سياق شعائري ديني، فهذا – في تصوري – نوع من العلمانية المضمرة داخل النسق العام الذي يطبق الشريعة الإسلامية، حيث الفصل المفاهيمي بين نوعية ممارسي العمل الاحتسابي ذوي الخلفية الدينية وبين غيرهم .
في التاريخ أيضا، كانت المهمة الاحتسابية تتجاوز مراقبة الشعائر الدينية والأداء الأخلاقي إلى مهام خدماتية عامة تتعلق بإصلاح الطرقات ومراقبة الأسواق والأسعار وما إلى ذلك، وبالتالي فقد كان الأمر بالمعروف يعني المفهوم الحقيقي لعبارة (الخدمات الحكومية)، يضاف عليها الشق الآخر من الشعيرة / الاحتساب على المنكرات وهي الدور الحقيقي لمفهوم الإعلام والسلطة الرابعة اليوم.
بهذه الذهنية التي تمتلك أدوات قراءة الواقع، يمكن أن نصنع واقعا دينيا يسهم في (حفظ النوع) الديني ويجدد فعالياته، بدل أن يحرص على الوفاء لأفكار واجتهادات مضت على منطقيتها قرون عديدة، ثم يطالب العالم بالاقتناع بها، أو – على الأقل – إقناع جيل جديد بدأ يتخلق خارج رحم الثقافة البيئية.
الإصرار على التطبيق الحرفي لبعض المحددات الفقهية، وإلزام شرائح اجتماعية واسعة على القبول بها لن يسهما أيضا في تكوين رابطة وجدانية وطنية تجعل من المواطنين متعاونين فعليا على (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) الحقيقيين.
تظل مشكلة الوعي الفقهي أنه (تراكمي) لا تجديدي، أي إنه يحمل ذلك الإرث الاجتهادي السابق، ثم يضيف إليه ما يستجد في عصره – وفق ذات الأدوات التقليدية – فيصنع قالبه الخاص ثم يجبر الواقع الزمني أن يتقولب فيه، وهذا الذي صنع الإشكالية الفقهية اليوم في تعاطيها مع هذا الواقع.
وبالتالي فالمشكلة ليست (حنبلية) فقط، بل هي فقهية (إدراكية) عامة عند الجميع، كما أنها تربوية أيضا، حيث مفاهيم الذوق والأخلاق في عرض الرأي الفقهي والتي ستعطي الشكل النهائي لتنفيذ مهام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأرض.
ما يهمنا الآن هو كيف يمكن أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أداء ينسجم مع شكل (الدولة المدنية)، وهنا سنجد أننا مجبرون على العودة إلى ذات الحاضنة الفقهية وإعادة تأملها من جديد، وهذا بطبيعة الحال في سياق الدعوة إلى التصحيح الديني إجمالا، فقهيا وتربويا، والنظر بعين الواقع لا بالحمولة الثقافية التي تستند إلى ثقافة عصور مضت.
فعليا نحتاج إلى شجاعة فقهية كافية لإحداث شيء من (ردم الفجوة) بين الزمن والثقافة المحركة التي تختزن أشكالا محددة من التعاطي مع الحياة وفهمها.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمارس فعليا في دول الغرب، وعلى شكل هيئات و(مؤسسات مجتمع مدني) وصحافة وإعلام، وبالتالي فالمفهوم (الحسبوي) متحقق في تلك الدول (العلمانية) بكل احتراف وجودة، ولكن حين يتم اختزاله في جهاز (واحد) فقط هو المعني بأداء المهام (الاحتسابية) وذات سياق شعائري ديني، فهذا – في تصوري – نوع من العلمانية المضمرة داخل النسق العام الذي يطبق الشريعة الإسلامية، حيث الفصل المفاهيمي بين نوعية ممارسي العمل الاحتسابي ذوي الخلفية الدينية وبين غيرهم .
في التاريخ أيضا، كانت المهمة الاحتسابية تتجاوز مراقبة الشعائر الدينية والأداء الأخلاقي إلى مهام خدماتية عامة تتعلق بإصلاح الطرقات ومراقبة الأسواق والأسعار وما إلى ذلك، وبالتالي فقد كان الأمر بالمعروف يعني المفهوم الحقيقي لعبارة (الخدمات الحكومية)، يضاف عليها الشق الآخر من الشعيرة / الاحتساب على المنكرات وهي الدور الحقيقي لمفهوم الإعلام والسلطة الرابعة اليوم.
بهذه الذهنية التي تمتلك أدوات قراءة الواقع، يمكن أن نصنع واقعا دينيا يسهم في (حفظ النوع) الديني ويجدد فعالياته، بدل أن يحرص على الوفاء لأفكار واجتهادات مضت على منطقيتها قرون عديدة، ثم يطالب العالم بالاقتناع بها، أو – على الأقل – إقناع جيل جديد بدأ يتخلق خارج رحم الثقافة البيئية.
الإصرار على التطبيق الحرفي لبعض المحددات الفقهية، وإلزام شرائح اجتماعية واسعة على القبول بها لن يسهما أيضا في تكوين رابطة وجدانية وطنية تجعل من المواطنين متعاونين فعليا على (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) الحقيقيين.