الرأي

زوكربيرج وابن خلدون ونحن

منى عبدالفتاح
ما إن أعلن مارك زوكربيرج مؤسس موقع فيس بوك، عزمه على قراءة «مقدمة ابن خلدون»، حتى تدافع متابعو الفيس بوك على منصات القراءة الالكترونية يبحثون عن سر هذا الكتاب للعالم الجليل عبدالرحمن بن محمد بن خلدون، الذي قال فيه زوكربيرج لمتابعيه «الكتاب يركز على كيفية تدفق الثقافة، والمثير في الأمر أن نرى كيف كانت نظرة واحد من رواد الثقافة الإسلامية في القرن الرابع عشر الميلادي».

استفاد ابن خلدون من تعدد انتماءاته التي أسهمت في فهم أكبر لطبائع البشر فهو أندلسي الأصل، نشأ في تونس وتوفي بمصر. وكان ابن خلدون قد تعقب أصوله إلى حضرموت وكان اسمه العائلي «الحضرمي». وذكر في موسوعته كتاب «العبر» أنه من سلالة الصحابي وائل بن حجر وأن أجداده من حضرموت.

وقبل التمعن في خطوة مارك التي جاءت في إطار الاهتمام بعالم إسلامي ومؤلف لكتاب تم تصنيفه من بين أكثر 10 مؤلفات تأثيرا على البشرية؛ يأتي من يقول له ما دمت أعجبت بعالمنا الذي لم نقرأ له ولم نعرفه إلا من خلالك إذن فيا حبذا لو أكملت جميلك ودخلت الإسلام. علما بأن «المقدمة» التي ألفها عام 1377م هي أشهر المجلدات السبعة التي احتواها كتابه الشهير والمعنون باسم «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر». ويتحدث ابن خلدون في المقدمة التي تشغل ثلث هذا الكتاب ويؤصل لآرائه في الجغرافيا والعمران والفلك وأحوال البشر وطبائعهم والمؤثرات التي تميز بعضهم عن الآخر.

وإن كانت الدعوة إلى الإسلام واجب، فالأحرى عكس الصورة الحسنة عن هذا الدين الحنيف، وابن خلدون بكتابه هذا شغل العرب والعجم واعترفوا بفضله وقدراته البحثية، ونسبوها إلى أصله الإسلامي، وهذا أحد طرق الدعوة.

قبل زوكربيرج هناك فلاسفة ومفكرون قدموا شهادات في ابن خلدون ومنهم المؤرخ البريطاني «أرنولد توينبي» الذي قال «ابتكر ابن خلدون وصاغ فلسفة للتاريخ هي بدون شك أعظم ما توصل إليه الفكر البشري في مختلف العصور والأمم». كما تداول المفكران الروسيان مكسيم غوركي وأنوتشين، رسائل تثني على اكتشاف ابن خلدون للعوامل الاقتصادية وعلاقات الإنتاج منذ القرن الرابع عشر.

واعتبر جورج لابيكا صاحب «تغيير العالم بلا معلم»، أن آراء ابن خلدون في التاريخ والاقتصاد والفلسفة الاجتماعية ذات إسهام أساسي في إرث البشرية الذهني. أما ألفرد بل المستشرق الفرنسي صاحب كتاب «نظرة في الإسلام عند قبائل البربر» فوصف مؤلفات ابن خلدون بالأعظم من حيث العمق في التفكير.

عرف ابن خلدون بمنهجيته البحثية الصارمة، ومن ضمن ما أورده ويدخل في باب الطرافة هو تحليل المجتمعات فمثلا قال «إن المصريين لا يدخرون قوت يومهم، فيما يختزن الفرد في المغرب حنطة عام»، وقال عن السودان «إن أهله يمتازون بالخفة والطيش وقدرة الرقص على مختلف الإيقاع».

وبالطبع، فإن «بلاد السودان» عند الجغرافيين والمؤرخين والرحالة المسلمين ومنهم ابن خلدون وابن بطوطة، كانت تعني منطقة أوسع بكثير من المنطقة المسماة حاليا بالسودان الغربي. وأيا تكن هذه النقطة التي أوردها ابن خلدون سواء أكان وصفيا سماعيا أو حقيقة مشاهدة فهي تعود إلى ما قبل قيام مملكة سنار عام 1504م كأول دولة عربية إسلامية قامت في بلاد السودان بعد انتشار الإسلام واللغة العربية فيها نتيجة لتزايد الوجود العربي والتصاهر بين العرب والنوبة في الشمال.

بالنسبة لنا كأمة إسلامية يعتبر ابن خلدون أحد العلماء الذين تفخر بهم حضارتنا، وهو مؤسس علم الاجتماع وأول من وضعه على أسسه الحديثة، وقد توصل إلى نظريات باهرة في هذا العلم حول قوانين العمران ونظرية العصبية، وبناء الدولة وأطوار عمارها وسقوطها. وقد سبقت آراؤه ونظرياته ما توصل إليه لاحقا بعدة قرون عدد من مشاهير العلماء كالعالم الفرنسي أوجست كونت.