الأزواديون في شمال مالي.. الهشيم الرطب
تفاعل
الثلاثاء / 30 / ربيع الثاني / 1437 هـ - 20:30 - الثلاثاء 9 فبراير 2016 20:30
هناك في أقصى جنوب الساحل الصحراوي يعيش شعب أزواد في المنطقة الواقعة بشمال مالي والمتاخمة لحدود موريتانيا والجزائر، هذا الشعب يتألف في معظمه من فسيفساء تجمع بين العنصر الأمازيغي والعربي والزنجي في تناغم فريد تمكن رغم الصعوبات من صياغة دستور ذهني للتعايش، أشبه بعقد اجتماعي غير مكتوب، واستمر هذا التعاقد قائما مقام السلطات المدنية والعسكرية محافظا على سلمية المجتمع وسلامته.
لكن هذه الحالة المتأصلة في أبناء المنطقة رغم ثباتها وعمقها في الذات الأزوادية إلا أن أطرافا أخرى ورغم ما يوفره لها هذا الوضع من مصالح فإنها وسعيا للوصول إلى مصالح أكثر نفعا أخذت على عاتقها القضاء على هذه الحالة الاستثنائية، وزرع أسباب الشقاق والمواجهة، ويقف على رأس تلك الأطراف الاستعمار الفرنسي الذي لم يكن لينسى لهذا الشعب مقاومته وتضحياته في سبيل رفض وجوده على تلك الأرض النائية عن باريس، حيث عمد الحاكم الفرنسي لترسيخ مبدأ التنافس القبلي ثم المناطقي في مجتمع تغلب عليه التجمعات القبلية مما خلق تنافرا مدفوعا بغريزة التنافس على المصلحة، ومع ذلك ورغم استحضار نماذج من الصراع التاريخي ليكون أرضية خصبة لاستنبات البذرة الفرنسية إلا أن أواصر التعاقد السابق الذكر كان لها الدور الأبرز في الحفاظ على تماسك المجتمع الأزوادي.
ولم يتوقف الأمر عند خروج المستعمر، حيث إن الحاكم المالي الجديد للمنطقة وريث المستعمر كان أكثر إصرارا من سابقه على اختراق النسيج الأزوادي تمهيدا لخلق فوضى تجعله في ضعف وارتهان لخيارات مفروضة غير مختارة. فأخذ في التضييق والاستهداف المباشر وغير المباشر، وأنتج ذلك ثورات على الحكم الجديد بدأت منذ الستينات في عهد موديبوكيتا مرورا بحكم القبضة الحديدية للجنرال موسى تراوري الذي أطاح به انقلاب عسكري على إثر ثورة التسعينات، وتمتد هذه السلسلة حتى انفجار الأحداث عام 2012 والتي طُرد فيها الجيش المالي من ثلثي مساحة الدولة ليُعلَن بعد ذلك قيام دولة أزواد في خطوة تنم عن ضيق أفق سياسي، إذ لم تحظ باعتراف أي طرف دولي، ونظرا لهشاشة وضعها لم تصمد إلا أياما أمام ضربات الجماعات الإرهابية التي استدعى انتشارها تدخلا فرنسيا أعاد جزءا من السيطرة المالية على الأوضاع، وبدأ بعد ذلك مسلسل التفاوض الذي انتهى بتوقيع اتفاق هش في باماكو برعاية دولية ورئاسة جزائرية.
وفي أثناء هذه الأحداث قامت أطراف عديدة على رأسها الحكومات المالية المتعاقبة بمحاولة استصلاح البذرة الفرنسية لإيجاد صدع في المجتمع الأزوادي من خلال تبني ميليشيات ومشيخات قبلية مرة ومناطقية مرة أخرى ضد بعضها بعضا، ابتداء ببعض الوعود بمناصب أو منافع مرورا بتعيينات شكلية انتهاء بالتسليح والدعم اللوجستي، يتخلل ذلك استغلال البروباجندا الإعلامية وموقف دول الجوار الداعمة لمالي، مما أدى أخيرا إلى ظهور بوادر لنجاح المشروع الفرنسي المالي لخلق منطقة هشة أمنيا يسهل استغلالها وجعل اضطرابها أمنيا ذريعة سانحة كلما لزم الأمر للتدخل وفرض المصالح الفرنسية أولا ومن يدور في فلكها بالتبعية.
ولعل هذه المصالح هي ما يفسر السكوت والتواطؤ الرسمي والدولي عن الفوضى والانفلات في الساحل، حيث تحولت بعد العشرية السوداء بالجزائر مرتعا خصبا وميدانا فسيحا للجماعات الإرهابية العابرة للحدود، كما أنها أصبحت ممرا آمنا لتهريب المخدرات القادمة من أمريكا اللاتينية، ولعل من المصادفة أن يتزامن هذا المقال مع تعرض جوهرة الصحراء فجر الجمعة لهجوم كبير قامت به عناصر إرهابية يرجح أنها من تنظيم المرابطين، وبالأمس القريب تمثل عصابة لتهريب المخدرات أمام الادعاء في نواكشوط.
رغم كل هذه الضربات المتتالية والمحاولات المستميتة المستمرة لإحراق المجتمع الأزوادي من الداخل فإنه يبقى حتى الآن مثل الهشيم الرطب قد تصدر عن محاولات إشعاله بعض الأدخنة لكنه غير قابل للاشتعال.
لكن هذه الحالة المتأصلة في أبناء المنطقة رغم ثباتها وعمقها في الذات الأزوادية إلا أن أطرافا أخرى ورغم ما يوفره لها هذا الوضع من مصالح فإنها وسعيا للوصول إلى مصالح أكثر نفعا أخذت على عاتقها القضاء على هذه الحالة الاستثنائية، وزرع أسباب الشقاق والمواجهة، ويقف على رأس تلك الأطراف الاستعمار الفرنسي الذي لم يكن لينسى لهذا الشعب مقاومته وتضحياته في سبيل رفض وجوده على تلك الأرض النائية عن باريس، حيث عمد الحاكم الفرنسي لترسيخ مبدأ التنافس القبلي ثم المناطقي في مجتمع تغلب عليه التجمعات القبلية مما خلق تنافرا مدفوعا بغريزة التنافس على المصلحة، ومع ذلك ورغم استحضار نماذج من الصراع التاريخي ليكون أرضية خصبة لاستنبات البذرة الفرنسية إلا أن أواصر التعاقد السابق الذكر كان لها الدور الأبرز في الحفاظ على تماسك المجتمع الأزوادي.
ولم يتوقف الأمر عند خروج المستعمر، حيث إن الحاكم المالي الجديد للمنطقة وريث المستعمر كان أكثر إصرارا من سابقه على اختراق النسيج الأزوادي تمهيدا لخلق فوضى تجعله في ضعف وارتهان لخيارات مفروضة غير مختارة. فأخذ في التضييق والاستهداف المباشر وغير المباشر، وأنتج ذلك ثورات على الحكم الجديد بدأت منذ الستينات في عهد موديبوكيتا مرورا بحكم القبضة الحديدية للجنرال موسى تراوري الذي أطاح به انقلاب عسكري على إثر ثورة التسعينات، وتمتد هذه السلسلة حتى انفجار الأحداث عام 2012 والتي طُرد فيها الجيش المالي من ثلثي مساحة الدولة ليُعلَن بعد ذلك قيام دولة أزواد في خطوة تنم عن ضيق أفق سياسي، إذ لم تحظ باعتراف أي طرف دولي، ونظرا لهشاشة وضعها لم تصمد إلا أياما أمام ضربات الجماعات الإرهابية التي استدعى انتشارها تدخلا فرنسيا أعاد جزءا من السيطرة المالية على الأوضاع، وبدأ بعد ذلك مسلسل التفاوض الذي انتهى بتوقيع اتفاق هش في باماكو برعاية دولية ورئاسة جزائرية.
وفي أثناء هذه الأحداث قامت أطراف عديدة على رأسها الحكومات المالية المتعاقبة بمحاولة استصلاح البذرة الفرنسية لإيجاد صدع في المجتمع الأزوادي من خلال تبني ميليشيات ومشيخات قبلية مرة ومناطقية مرة أخرى ضد بعضها بعضا، ابتداء ببعض الوعود بمناصب أو منافع مرورا بتعيينات شكلية انتهاء بالتسليح والدعم اللوجستي، يتخلل ذلك استغلال البروباجندا الإعلامية وموقف دول الجوار الداعمة لمالي، مما أدى أخيرا إلى ظهور بوادر لنجاح المشروع الفرنسي المالي لخلق منطقة هشة أمنيا يسهل استغلالها وجعل اضطرابها أمنيا ذريعة سانحة كلما لزم الأمر للتدخل وفرض المصالح الفرنسية أولا ومن يدور في فلكها بالتبعية.
ولعل هذه المصالح هي ما يفسر السكوت والتواطؤ الرسمي والدولي عن الفوضى والانفلات في الساحل، حيث تحولت بعد العشرية السوداء بالجزائر مرتعا خصبا وميدانا فسيحا للجماعات الإرهابية العابرة للحدود، كما أنها أصبحت ممرا آمنا لتهريب المخدرات القادمة من أمريكا اللاتينية، ولعل من المصادفة أن يتزامن هذا المقال مع تعرض جوهرة الصحراء فجر الجمعة لهجوم كبير قامت به عناصر إرهابية يرجح أنها من تنظيم المرابطين، وبالأمس القريب تمثل عصابة لتهريب المخدرات أمام الادعاء في نواكشوط.
رغم كل هذه الضربات المتتالية والمحاولات المستميتة المستمرة لإحراق المجتمع الأزوادي من الداخل فإنه يبقى حتى الآن مثل الهشيم الرطب قد تصدر عن محاولات إشعاله بعض الأدخنة لكنه غير قابل للاشتعال.