الرأي

ذهبت إلى داعش

دبس الرمان

هبة قاضي
أخذت تفكر في نفسها، حسنا كلما التفت برأسي رأيت كلمة داعش، في الأخبار داعش، في الصحف داعش، في تويتر داعش، في سناب تحذير من داعش، حتى في مجلتي المفضلة تقرير مفصل عن خطر داعش، أداعش مهمة لهذا الحد؟ أداعش خطيرة لهذا الحد؟ أحقا هي قريبة منا لهذا الحد؟ ثم لماذا يذهب الناس إليهم؟ إنهم يقولون إن الشباب خاصة يذهبون إليهم؟ لا بد أن هناك شيئا إيجابيا لديهم طالما يترك الشباب حياتهم الفارهة والمنعمة ويذهبون إليهم؟ ربما هم ليسوا سيئين لهذا الحد؟ قامت إلى التلفاز ففتحت إحدى القنوات العربية لتظهر لها مذيعة متبرجة بطريقة مبتذلة جدا وماجنة جدا، وابتسمت لنفسها في استهزاء وهي تفكر، يقولون لنا عيب وحرام، ولكن ها هي التي تقوم بالعيب والحرام تكسب الكثير من المال، ولديها كثير من المعجبين، ونحن اللاتي نتحرى الحلال مغمورات ومخفيات وليس لنا من الدنيا إلا الحرمان والاختناق. ثم فتحت قناة أخرى فوجدت شيخا يصرخ ويتوعد بالنار والثبور، فخافت نعم خافت حتى من أفكارها التي لم تتعد أساريرها، فقامت سريعا واستغفرت لنفسها وهي تلعن النساء السافرات وتدعو عليهن بالاحتراق أحياء. بما أنها في سنتها الأخيرة من الجامعة، ومطلوب منها تدريب عملي في إحدى القطاعات الخاصة، فقد ذهبت مع صديقة لها لتقدم في إحدى الشركات، لتصعق من الاختلاط في الشركة، والرجال والنساء يعملون في المكان نفسه، ألم يعلموهم أن الاختلاط حرام، ألم يربوهم على أن المرأة فتنة وعورة؟ وأن الرجال ذئاب بشرية هدفها اصطياد النساء؟ ترى أكل هؤلاء الفتيات والسيدات مذنبات؟ يا للحيرة! ورغم حماسها للعمل واسم الشركة اللامع إلا أن والدها رفض عملها في مكان مختلط رفضا تاما، فعادت للبحث عن فرصة في مكان أقل كفاءة ليكون للسيدات فقط، وهي في سرها تلعن حظها وتحقد على الفتيات اللاتي استطعن الذهاب للتدريب هناك والخبرة الجديدة اللاتي سيحصلن عليها وأبواب المستقبل التي ستفتح لهن. جلست في ركنها المعتاد في غرفتها، ومشاعر الغضب والحيرة والضياع تتقاذفها وتتلاطم بداخلها كما أمواج البحر الهائج، كم الحياة مملة، كم الحياة غير عادلة. فلأنها تتبع الدين والعادات فهي وحيدة وتعيسة وحاضرها ومستقبلها يبدو قاتما لا شيء مهم أو مثير فيه، دخلت لتويتر وكتبت تغريدة (كم تعبت من الهموم، أين أنت أيها المجهول)، لتفاجأ بعد دقائق بأحدهم يرد عليها (مصير المجهول أن يصبح معلوما فاضحكي للحياة ودعي عنك الهموم)، ثم وجدته يتابعها ويبدأ الحديث معها. مر شهر وشهران، لتخرج من البيت في اليوم الأخير للدراسة ولا تعود، وحين دخلوا غرفتها وجدوا رسالة منها مكتوبا فيها (لقد وجدت مكاني أخيرا، باركوا لي فقد ذهبت إلى دولة الإسلام الحقيقي، التي يسمونها ظلما داعش).

heba.q@makkahnp.com