لماذا يهاجمنا الإعلام الأمريكي؟
الاثنين / 29 / ربيع الثاني / 1437 هـ - 19:45 - الاثنين 8 فبراير 2016 19:45
تغطية الأزمة التي اندلعت في أعقاب إعدام السعودية 47 إرهابيا أظهرت مشاعر «معينة» مناوئة للسعودية في وسائل الإعلام بالولايات المتحدة، والتي اعتبرها بعضهم مسارا جديدا ينتهجه الأمريكيون لمهاجمتنا، لكن في الحقيقة هي امتداد لسلسلة طويلة من الانتقادات خلال العقود الماضية، وإن كانت تظهر على استحياء من وقت لآخر. هناك مجموعة عوامل وأسباب سوف أذكر أهمها:
أول تلك العوامل: أن النخبة الإعلامية الأمريكية مثل النخب الإعلامية في الديمقراطيات الغربية التي تحمل نفسا يساريا أو ليبراليا، وعادة ما تتخذ موقفا تجاه المجتمعات التي ترى أنها تقليدية والسعودية واحدة منها، كما يرونها، وبالتالي كان غالب الأحكام القضائية ووضع المرأة السعودية، وجهاز الحسبة محل انتقاد باستغراب واستهجان دائم.
وكنا نحن على طريقة «أنا لا أرى..لا أسمع.. لا أتكلم..» حتى اشتدت الهجمة وارتفعت الأصوات وبدأ الرأي العام يتفاعل، عندها استفقنا وتساءلنا: ما الذي يحصل؟ ولماذا كل هذا الهجوم؟ وهو ما سوف يقود إلى العامل الثاني المهم:
وهو أن المملكة لم يكن لديها استراتيجية إعلامية قوية وراسخة للتأثير في الولايات المتحدة الأمريكية. نحن نعلم أن أمريكا دولة «ديمقراطية» تهتم بالرأي العام كثيرا، وهو مؤثر رئيس في خلق السياسات الأمريكية. للأسف ظلت المملكة دائما تعمل من خلال شبكات من الاتصالات، كما هو الحال غالبا في المجتمعات التي تكمن الأهمية فيها للقبائل القوية، أو العائلات النافذة، أو أجهزة الحكومة القوية، أكثر من الرأي العام. وهذه الطريقة يمكن أن تنجح بصورة جيدة في باكستان، على سبيل المثال، أو الصين، أو كوريا الشمالية، لكن لا يمكن لها أن تنجح في مجتمع مثل الولايات المتحدة الأمريكية، يعتمد على التدفق الحر للمعلومات والحوار المفتوح والنقد الواضح لكافة القضايا المحلية والدولية.
نحن للأسف ظللنا ـ وعبر عقود طويلة ـ نعتقد أن اتصالاتنا الوثيقة مع بعض الرؤساء الأمريكيين وعوائلهم ومع بعض نواب وأعضاء الكونجرس هي كل ما نحتاجه للحصول على جلسة استماع منصفة في محكمة الرأي العام الأمريكي. وهذا قد يفيد في حقبة زمنية معينة، لكنه اليوم لم يعد كافيا، فنحن نواجه تحديات حقيقية ومصيرية تحتاج إلى استراتيجية أخرى.
العامل الثالث: السعودية ليس لديها مهاجرون يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل دائم، كما هو حال غالبية البلدان. وهذا بالتأكيد يضعف المشاركة السعودية في الداخل الأمريكي، ويجعل ثقافتها غائبة عن المواطن الأمريكي، وهذا ينعكس بشكل أو بآخر على الإعلام الأمريكي، لأن الممثل السعودي غير موجود في أي محفل أمريكي حتى لو كان اجتماعيا، أو ثقافيا.
العامل الرابع: أن كثيرا من الصحفيين «العرب» الذين يعملون في بعض وسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية ينقلون صورا وأخبارا غير جيدة عن مجتمعنا لزملائهم الإعلاميين الأمريكيين «لأنهم يعتبرون مصدرا جيدا لهم بحكم أنهم عرب»، وهذا ليس اتهاما، إنما هو حقيقة. أنا عملت في الأمم المتحدة في نيويورك لمدة عامين ورأيتهم وناقشتهم، حتى إنه في جلسة من الجلسات اشتد النقاش بيني وبينهم، وخرجت لهم في آخر المطاف وقلت لهم: إذا كان هذا رأيكم عنا.. فماذا عساه يكون رأي الإعلام الأمريكي عنا؟
العامل الخامس: غياب دور السفارات السعودية وممثلياتها في خلق جهاز إعلامي «مدرب» يشارك ويبين وجهات النظر السعودية في وسائل الإعلام الأمريكي في كل القضايا. وإن كان البعض يرى أن التحرك يجب أن يكون عبر مؤسسات مستقلة «غير حكومية» وأفراد «مختصين» يمكن أن يقوموا بهذا الدور.
على كل حال، هناك عدة عوامل أخرى ربما لا يتسع المقال لحصرها، ولكن السؤال الأهم اليوم: ما الذي نحتاجه حتى نواجه ونبين وجهات نظرنا للإعلام الأمريكي والغربي بشكل عام؟
في المقال القادم نكتب عن ذلك، ونكشف بعضا من وجهة النظر الغربية التي شاركت معنا في ورشة عمل «مهمة» عقدت في مركز أسبار بالرياض حول «المملكة في الإعلام الغربي»، وشارك فيها مجموعة من الإعلاميين الأجانب، ومن بينهم مراسلو النيويورك تايمز، والجارديان، وبلومبيرج، وbbc الإنجليزية، ووكالة الأنباء التركية، وعميد كلية الاتصال في جامعة ميتشجن الأمريكية، بالإضافة إلى عدد من الإعلاميين والمثقفين العرب والسعوديين، بلغ عددهم 40 مشاركا.
alfarhan.i@makkahnp.com
أول تلك العوامل: أن النخبة الإعلامية الأمريكية مثل النخب الإعلامية في الديمقراطيات الغربية التي تحمل نفسا يساريا أو ليبراليا، وعادة ما تتخذ موقفا تجاه المجتمعات التي ترى أنها تقليدية والسعودية واحدة منها، كما يرونها، وبالتالي كان غالب الأحكام القضائية ووضع المرأة السعودية، وجهاز الحسبة محل انتقاد باستغراب واستهجان دائم.
وكنا نحن على طريقة «أنا لا أرى..لا أسمع.. لا أتكلم..» حتى اشتدت الهجمة وارتفعت الأصوات وبدأ الرأي العام يتفاعل، عندها استفقنا وتساءلنا: ما الذي يحصل؟ ولماذا كل هذا الهجوم؟ وهو ما سوف يقود إلى العامل الثاني المهم:
وهو أن المملكة لم يكن لديها استراتيجية إعلامية قوية وراسخة للتأثير في الولايات المتحدة الأمريكية. نحن نعلم أن أمريكا دولة «ديمقراطية» تهتم بالرأي العام كثيرا، وهو مؤثر رئيس في خلق السياسات الأمريكية. للأسف ظلت المملكة دائما تعمل من خلال شبكات من الاتصالات، كما هو الحال غالبا في المجتمعات التي تكمن الأهمية فيها للقبائل القوية، أو العائلات النافذة، أو أجهزة الحكومة القوية، أكثر من الرأي العام. وهذه الطريقة يمكن أن تنجح بصورة جيدة في باكستان، على سبيل المثال، أو الصين، أو كوريا الشمالية، لكن لا يمكن لها أن تنجح في مجتمع مثل الولايات المتحدة الأمريكية، يعتمد على التدفق الحر للمعلومات والحوار المفتوح والنقد الواضح لكافة القضايا المحلية والدولية.
نحن للأسف ظللنا ـ وعبر عقود طويلة ـ نعتقد أن اتصالاتنا الوثيقة مع بعض الرؤساء الأمريكيين وعوائلهم ومع بعض نواب وأعضاء الكونجرس هي كل ما نحتاجه للحصول على جلسة استماع منصفة في محكمة الرأي العام الأمريكي. وهذا قد يفيد في حقبة زمنية معينة، لكنه اليوم لم يعد كافيا، فنحن نواجه تحديات حقيقية ومصيرية تحتاج إلى استراتيجية أخرى.
العامل الثالث: السعودية ليس لديها مهاجرون يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل دائم، كما هو حال غالبية البلدان. وهذا بالتأكيد يضعف المشاركة السعودية في الداخل الأمريكي، ويجعل ثقافتها غائبة عن المواطن الأمريكي، وهذا ينعكس بشكل أو بآخر على الإعلام الأمريكي، لأن الممثل السعودي غير موجود في أي محفل أمريكي حتى لو كان اجتماعيا، أو ثقافيا.
العامل الرابع: أن كثيرا من الصحفيين «العرب» الذين يعملون في بعض وسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية ينقلون صورا وأخبارا غير جيدة عن مجتمعنا لزملائهم الإعلاميين الأمريكيين «لأنهم يعتبرون مصدرا جيدا لهم بحكم أنهم عرب»، وهذا ليس اتهاما، إنما هو حقيقة. أنا عملت في الأمم المتحدة في نيويورك لمدة عامين ورأيتهم وناقشتهم، حتى إنه في جلسة من الجلسات اشتد النقاش بيني وبينهم، وخرجت لهم في آخر المطاف وقلت لهم: إذا كان هذا رأيكم عنا.. فماذا عساه يكون رأي الإعلام الأمريكي عنا؟
العامل الخامس: غياب دور السفارات السعودية وممثلياتها في خلق جهاز إعلامي «مدرب» يشارك ويبين وجهات النظر السعودية في وسائل الإعلام الأمريكي في كل القضايا. وإن كان البعض يرى أن التحرك يجب أن يكون عبر مؤسسات مستقلة «غير حكومية» وأفراد «مختصين» يمكن أن يقوموا بهذا الدور.
على كل حال، هناك عدة عوامل أخرى ربما لا يتسع المقال لحصرها، ولكن السؤال الأهم اليوم: ما الذي نحتاجه حتى نواجه ونبين وجهات نظرنا للإعلام الأمريكي والغربي بشكل عام؟
في المقال القادم نكتب عن ذلك، ونكشف بعضا من وجهة النظر الغربية التي شاركت معنا في ورشة عمل «مهمة» عقدت في مركز أسبار بالرياض حول «المملكة في الإعلام الغربي»، وشارك فيها مجموعة من الإعلاميين الأجانب، ومن بينهم مراسلو النيويورك تايمز، والجارديان، وبلومبيرج، وbbc الإنجليزية، ووكالة الأنباء التركية، وعميد كلية الاتصال في جامعة ميتشجن الأمريكية، بالإضافة إلى عدد من الإعلاميين والمثقفين العرب والسعوديين، بلغ عددهم 40 مشاركا.
alfarhan.i@makkahnp.com