الرأي

الفنان الذي شاب (عقاله)!

بعد النسيان

أول ما يلفت النظر في صورة الفنان التشكيلي السعودي الراحل/ محمد موسى السليم (1938- 1997) هو اعتماره عقالاً أبيض اللون! وربما كانت تقليعة لا تستغرب على أي فنان بوهيمي، ولكن الذي نجزم به أن العقال ظل أسود إلى أن شاب ـ قبل الأوان ـ مع لحيته ورأسه وقلبه؛ بسبب النكبة المالية التي حلت بساحته، وراكمت عليه الديون فدمرته نفسياً وأسرياً، إلى أن أراحه الرحمن الرحيم بالموت في إيطاليا، وحيداً غريباً كئيباً؛ لكن أسرته، التي لم يترك لها غير الإفلاس والديون، ما زالت تسدد فواتير مغامرته التجارية التي خاضها ليضمن مستقبلها!

هو ـ لمن لا يعرف ولمن نسيه حتى من أقرب الزملاء ـ ثاني فنانين سعوديين يتنازعان ريادة الفن التشكيلي: محمد السليم؛ ممثلاً نجد بلادنا العَذِيَّة، قادماً من (مرات) تحديداً، وعبدالحليم رضوي؛ ممثلاً حجاز وحدتنا الوطنية! وقد أثارت مسألة الأولوية بينهما جدلاً واسعاً في الساحة، لم يحسم إلا بنسيان الاثنين ـ رحمهما الله ـ من ذاكرةٍ مزهمرةٍ خلقة، و... وش كنّا نقول، يا إبراهيم القحطاني؟؟ آه.. وفور عودته من إيطاليا لم يجد وظيفةً أفضل من معلم للتربية الفنية، بعد أن وقَّع تعهداً بعدم رسم ذوات الأرواح «اسم الله علينا»! ومع الطفرة النفطية الأولى أراد الفنان أن يصبح تاجراً للأدوات الفنية، ساهياً أو متساهياً عن أن كلمة (فن) ليست إلا التوقيع بالحرفين الأولين لكلمتي: (فقر) و(نحس)!!

وقد حقق في البداية (كم) خبطةٍ بعقود حكومية تجعل من (الفقر) فرقاً، ومن (النحس) حُسناً! لكنه تعرض ـ فيما يبدو ـ لعمليات نصب وسرقة؛ فأفلـس تمامـاً ولم يجـد من يقـف معه من الجهات الرسمية كوزارة المعارف ـ بوصفه معلماً ـ والرئاسة العامة لرعاية الشباب التي كانت تتبعها (قمعيات) الثقافة والفنون، ووزارة الإعلام؛ إذ كان من أنشط جيله في تبييض وجهها ـ دون كفَّيها ـ في المحافل الدولية!

فلجأ إلى الشعب الكريم بإعلان لا سابق له، على صفحةٍ كاملة من أشهر الصحف (1983)، يطلب فيه التبرع ولو بريالٍ واحد ـ على غرار ريال فلسطين ـ ينزل في حسابٍ مخصص للديون الموثقة رسمياً وليس لحسابه الشخصي! وكان رد الشعب الهيَّاط: أبْكْ حِنَّا أقوى من الحكومة؟؟

so7aimi.m@makkahnp.com