الأمن والطمأنينة بتطبيق شرع الله
بسم الله القائل «الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ».. (الأنعام آية 82). منذ أن فتحت عيوني ووعيت على الدنيا في أحضان حبيبتي مدينتي مكة المكرمة، شرفها الله، والأمن والأمان والاطمئنان مشاعر اعتيادية وأحاسيس طبيعية، أعيشها بكل عفويتها ودقتها وتفاصيلها، ويعيشها كل أهلي والناس من حولنا. رغم رقة الحالة المادية وتفاوتها بين أسرة وأخرى، وبين حي وآخر. كان الكل يتلو في خشوع وصبر وإيمان «وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ».. (العنكبوت «الآية 60).
الاحد / 30 / ربيع الأول / 1437 هـ - 12:45 - الاحد 10 يناير 2016 12:45
بسم الله القائل «الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ».. (الأنعام آية 82). منذ أن فتحت عيوني ووعيت على الدنيا في أحضان حبيبتي مدينتي مكة المكرمة، شرفها الله، والأمن والأمان والاطمئنان مشاعر اعتيادية وأحاسيس طبيعية، أعيشها بكل عفويتها ودقتها وتفاصيلها، ويعيشها كل أهلي والناس من حولنا. رغم رقة الحالة المادية وتفاوتها بين أسرة وأخرى، وبين حي وآخر. كان الكل يتلو في خشوع وصبر وإيمان «وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ».. (العنكبوت «الآية 60). ولكننا كنا جميعاً بفضل الله ننعم بالأمن والأمان الذي ساد بلادنا، مدناً وقرى وبلدات، وسبلاً ومسالك وطرقات، منذ أن وحّدها ـ بتوفيق الله ـ الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، رحمه الله تعالى. كنا ـ ولله الفضل والمنة ـ ننام وبيوتنا أبوابها مفتوحة دون أقفال أو» ترابيس»، وبالطبع دون كاميرات مراقبة وأنظمة إنذارات.. كنا بدون كهرباء، ولكن كانت الضمائر متقدة، وكانت الأخلاق متوقدة، وكانت العلاقات بين الناس، أهلاً وجيراناً وأهل بلد، يضيئها الصدق، وتتوهج بالأمانة، وتنيرها الاستقامة. نعم.. رغم الفقر السائد والعوز الممتد، ورغم تفاوت مداخيل البعض النسبي، رغم هذا الذي يرتكب بعض الآثمين اليوم جرائمهم بدافعه وبسببه. لا زلت أتذكر وأنا أقصد البيت الحرام طائفاً أو عابراً - وقد كنا لا نمرّ بالبيت إلا نطوف به أولاً – فهذه هي تحية المسجد الحرام.. أتذكر ذلك المنظر الذي لا يوحي بغير الاطمئنان والأمان.. بمجرد أن يرتفع صوت الأذان ويفرغُ الناس من متابعة المؤذن، ليقولوا مثل ما يقول – ما عدا الحوقلتين – يهرعون إلى الوضوء من بئر زمزم أو من» بازانات مجاورة»، تاركين محلاتهم التجارية وهي عامرة، مفتوحة، إلا من قطعة شاش، أو نوع من القماش، يعلن عن إغلاقها حتى الانتهاء من الصلاة، ثم تعود الحياة إليها مرة أخرى بعد الصلاة.. دون أن يفتقد التاجر قشةً أو مخيطاً مما ترك. كانت دكاكين ومحلات عامرة بكل الخيرات والثمرات، ولكن كانت القلوب أكثر عمارةً، وكانت العيون تملؤها القناعة، وكان الخوف من الله يقطن كل النفوس، لا لشيء إلا لأننا في بلد يقيم حدود الله، ويحمي بها الأرواح والممتلكات. ومن لم يقدر له أن يغادر مكة المكرمة إلى خارج المملكة، وكان القادرون على ذلك قلة من الناس، فيما عدا فئة المطوفين، الذين تحتم عليهم قواعد المهنة في ذلك الوقت السفر والترحال شرقاً وغرباً إلى حيث بلاد الحجاج، يستقطبونهم، وينسقون قدومهم على أسماء المطوف، أو الدليل، أو المعلم، فقد كان هو الجهة التي تتولى بكل جدارة واقتدار شؤون الحجاج حتى مغادرتهم إلى ديارهم في رحلة العودة. والفئة الأخرى التي كانت تسنح لها فرصة السفر إلى خارج المملكة هي فئة المبتعثين، والذين رغم محدودية عددهم، لم تهملهم الدولة - رغم حداثة عهدها – وأولتهم رغم قلة الموارد المالية يومها كل عناية واهتمام، إيماناً منها بالعلم، كأحد ركائز الأمن العام في البلد. نعم فيما عدا أفراد هاتين الطائفتين كان الناس لدينا يعتقدون أن العالم من حولنا آمن مستقر. والحقيقة أنه لم يكن كذلك في معظم البلدان.. فقد كانوا يعتقدون أن حدود الله تقام في كل مكان.. فقد كان الناس في بلدي متأكدين بأن ليس غير حدود الله قادرة على جلب هذه الطمأنينة إلى خلق الله أينما كانوا. وكم أخطأ الجاهلون أو تعمدوا، حين رمونا بالتخلف لأننا بالشرع الحكيم نقتص من القاتل، وبه نقيم الحد على السارق، إلى آخر هذه الحدود التي نبه الله تعالى على عدم إهمالها «تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا»، مشدداً على إنفاذها. وكأن هؤلاء الحاقدين لا يعرفون شيئاً أو هم يتغافلون عن حالات الفوضى والنهب، والتمرد والسلب، وعن عصابات الإجرام التي أحلّت ـ خروجاً عن القانون ـ دماء الناس، وانتهكت أعراض الخلق وأموالهم. نعم كل ذلك يحدث ولدرجة الجريمة المنظمة، فيما يعتبرونها أرقى الدول وأكثرها تقدماً في العالم، حيث أصبحت المادة هي الجوهر الخادع البرّاق، وأمست الروح والإنسان حطباً يحترق كل يوم ليزيد عجلة تقدمهم اندفاعا وسرعة. وكلما حاولوا تمرير قانون أو سنّ تشريع أو اللجوء إلى عقاب من صنع أيديهم، تغوّلت الجريمة وتمادى المجرمون، ويبقى الإنسان عندهم هو الضحية الثابتة دون حماية أو ردع. وبالطبع فليس على وجه الأرض من قانون أو دستور يحمي الروح والإنسان والممتلكات والأعراض سوى قانون السماء، ومحكم التنزيل إلى الأرض، فالله وحده يعلم دون سواه ما فيه خير الناس، مالاً وعرضاً، «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير».. (الملك آية 14)، ولكنهم الحاقدون، الحاسدون لنا على نعم كثيرةٍ يأتي الأمن في مقدمتها. ولطالما كنا – وما زلنا – نحمد الله ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، صغاراً وكباراً، على هذه النعمة، حتى لو كانت في يوم من الأيام هي الوحيدة. ورسول الهدى عليه الصلاة والسلام يقول «إن الأمن في الأوطان إحدى نعمتين، ثانيتهما: الصحة في الأبدان». لقد كانت شبه جزيرتنا العربية، بل العالم برمته، قبل ظهور الإسلام، يعيش فترات متلاحقة من فقدان الأمن وعدم الاستقرار. حتى أشرق نور الإسلام، وأرسل الله مصطفاه عليه السلام، هدى ورحمةً للعالمين. وكان وعد الله للدنيا بأسرِها عامةً، وكانت دعوة خليله إبراهيم عليه السلام لهذا البلد خاصةً «ربِ اجعل هذا بلداً آمناً». ويقول الله تعالى «وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأمناً». نعم إنه الأمن الذي يجب أن نعمل عليه تثبيتاً لأركانه، وحفظاً لدعائمه، بإمضاء شرع الله، فليس بغيره يمكن للناس أن تأمن.. وأن تنام قريرة العين، مرتاحة البال، هانئة. ومن هنا كان الأمن بفضل الله واحداً من الركائز الكبرى التي قامت عليها المملكة العربية السعودية منذ توحيدها وقيامها على كتاب الله وسنّة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام. ومع الأيام ومع التطورات والمتغيرات التي يشهدها العالم بقي الأمن في بلادنا ـ والحمد لله ـ هدفاً لكل ملك، وغايةً مستديمة لكل أبناء المؤسس، يرحمه الله، وها هي اليوم تؤكد للدنيا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك المهاب سلمان بن عبدالعزيز أننا أمّة لا تحيد عن الحق، ولو سرنا وحدنا على دربه، فإننا واثقون بحق أن الحق هو المنتصر في النهاية. وفق الله قادتنا وولاة أمورنا لما يحب ويرضى، وحفظ لنا أمننا وأماننا، ونصر جنودنا جنود الحق، إنه وليّ ذلك وهو على كل شيء قدير.