الخصوصية
لكل شعب من الناس ملامح ثقافية وفكرية تميزه عن غيره، ومع ذلك فإن المشترك الإنساني هو الأكثر ظهورا ووضوحا في التعامل بين الناس، أما الخاص والخصوصية فهي مع وجودها في الواقع ذات شقين، الأول: ما يلاحظه الغريب من سمات خاصة عن مجتمع ما، من عادات وتقاليد وسلوك ومعاملات ثقافية أو دينية أو اجتماعية، يمارسها ذلك المجتمع بشكل عادي دون أن يفكر فيها، لكن الغريب تشده هذه العادات والتقاليد عندما يراها أول مرة في حياته، وهنا تظهر خصوصية العادات في نظر الغريب لاختلافها عن العادات والتقاليد السائدة في مجتمعه
الأربعاء / 19 / ربيع الثاني / 1435 هـ - 01:00 - الأربعاء 19 فبراير 2014 01:00
لكل شعب من الناس ملامح ثقافية وفكرية تميزه عن غيره، ومع ذلك فإن المشترك الإنساني هو الأكثر ظهورا ووضوحا في التعامل بين الناس، أما الخاص والخصوصية فهي مع وجودها في الواقع ذات شقين، الأول: ما يلاحظه الغريب من سمات خاصة عن مجتمع ما، من عادات وتقاليد وسلوك ومعاملات ثقافية أو دينية أو اجتماعية، يمارسها ذلك المجتمع بشكل عادي دون أن يفكر فيها، لكن الغريب تشده هذه العادات والتقاليد عندما يراها أول مرة في حياته، وهنا تظهر خصوصية العادات في نظر الغريب لاختلافها عن العادات والتقاليد السائدة في مجتمعه. والغريب هو الذي يحكم عليها بأنها خاصة لهذا المجتمع أو ذاك ومختلفة، مثل اختلاف الأكل وطريقته، واللباس وشكله، وعادات الأفراح والأتراح. هذه السلوكيات الاجتماعية لا يعد منها الاختلاف الطبيعي، مثل اختلاف اللغة والدين، لأن ذلك يتطلب قيما يحترمها المجتمع ويؤمن بأهمية المحافظة عليها، وهو حال متفق عليه بين الناس، ومقر في كل الثقافات. وينظر غالبا على أن التميز به عمل إيجابي يعطي مساحة كبيرة من التعدد والاختلاف الذي تقوم عليه ثقافته الخاصة عن الآخرين، ويكون المجتمع فخورا بها ولكنه لا يمارس في التزامه بقيمه احتقارا للآخرين ولا ترفعا عنهم، ولا يعد عاداته وتقاليد حياته سورا حاجزا بينه وبين القيم والعادات الإنسانية الجميلة. الثاني: من دعوى الخصوصية ما يدعيه مجتمع ما لنفسه من خصوصية بزعم أنه لا يشبه الآخرين، وأن له ما يبرر تفرده واختلافه عن بقية الناس، وما يمنعه من المماثلة والمشابهة لغيره، وقد يحمل نوعا من. الشوفينية والاستعلاء على الناس.. هذه هي الخصوصية الوهمية التي تأتي لأسباب كثيرة، منها الديني، ومنها السياسي، ومنها الاجتماعي والاقتصادي، وغير ذلك من دعوى خصوصية واهمة من جانب و غير مقبولة من جانب آخر.. واهمة لأنه لا يوجد تفرد كامل في المجتمعات الإنسانية، وإنما توجد الفوارق والاختلاف وخيط رفيع يربط بين كل الثقافات البشرية، ويختفي عامل التفرد ويقوى عامل المشترك الإنساني. وغير مقبولة لأنها دافعة إلى انغلاق المجتمع على نفسه، وتصبح الخصوصية حائلا بين المجتمع الذي يدعيها والانفتاح على الآخرين والاستفادة مما لديهم من المنافع المشتركة. ومن دعاوى الخصوصية غير المقبولة الترفع والاستكبار على الناس، وهذا أقبح صورها وأكثرها خطورة على التربية السليمة والسلوك الإنساني المقبول. ونحن نسمع في مجتمعنا من يعظنا بما لنا من خصوصية، وما لنا من تميز عن غيرنا.. تأتي أحيانا في معرض الحديث عن بعض المطالب التي يطالب بها الناس، وأحيانا بمعنى المنع من بعض الحقوق، كأن يكون الحديث عن حقوق المرأة ومطالبها، أو ما يجد من أشياء يستفاد منها فيكون وجه الاعتراض عليها بحجة الخصوصية المحلية. وليسمح لنا دعاة الخصوصية المحلية أن نقول لهم إننا لا نملك خصوصية ولا ميزة عن الناس، ولكن بعضنا يتوهم ذلك، وبعضنا يوهمنا بها لغرض في نفسه.