البتنوني يغلط في وصف لباس أهل مكة

رافق الرحالة محمد لبيب البتنوني الخديوي عباس حلمي باشا في رحلة حجه سنة 1327هـ /1909م، ودون أحداث رحلته التي صدرت الطبعة الأولى منها سنة 1328هـ بعنوان (الرحلة الحجازية لولي النعم الحاج عباس حلمي باشا الثاني خديوي مصر)، وعرفت واشتهرت برحلة البتنوني أكثر من شهرتها باسمها الأصلي

u0627u0644u062eu062fu064au0648u064a u0639u0628u0627u0633

رافق الرحالة محمد لبيب البتنوني الخديوي عباس حلمي باشا في رحلة حجه سنة 1327هـ /1909م، ودون أحداث رحلته التي صدرت الطبعة الأولى منها سنة 1328هـ بعنوان (الرحلة الحجازية لولي النعم الحاج عباس حلمي باشا الثاني خديوي مصر)، وعرفت واشتهرت برحلة البتنوني أكثر من شهرتها باسمها الأصلي. وجاءت رحلته حافلة بكثير من المعلومات التاريخية والجغرافية والاقتصادية عن الحجاز، إلا أن بعد المؤلف عن واقع الحجاز عموما، ومكة المكرمة خصوصا، وقصر مدة إقامته فيها التي كانت 15 يوما فقط - وذلك كحال كثير من الرحالة- جعله يدرج في الرحلة معلومات غير صحيحة، حتى إن الشيخ عثمان الراضي (ت 1331هـ) انتقد هذه الرحلة حال صدورها، ونشرَ خير الدين الزركلي في كتابه ما رأيت وما سمعت جزءا من نقده. كما رد على بعض ما جاء في الرحلة الشيخ عبدالملك الخطيب ونشر رده في إحدى الصحف المصرية في ذلك الوقت، ورد عليه أيضا الأستاذ محمد عمر رفيع في بعض صفحات كتابه مكة في القرن الـ14 الهجري. بدأ البتنوني رحلته بقوله «ولما كانت هذه البلاد غير معروفة للآن، وكل ما كتب عن رحلة الحاج إليها لا يخرج عن بعض المناسك التي يضل المطالع في كثرة شعابها، ووعورة طرقها، ومجاهلها مما يزيده ارتباكا وجهالة، وتناول بحثي ما يهم القارئ من المسائل العمرانية والاجتماعية والجغرافية والتاريخية مما لم يسبقني إليه أحد ممن كتب عن هذه الديار»، والحقيقة أن ما ذكره المؤلف هنا يوحي أنه سيتحدث عن مجاهل غير مطروقة وغير معروفة من العالم، وليس عن مكة المكرمة عاصمة بلاد المسلمين، كما يدل على أنه لم يطلع على الكم الهائل من الكتب والدراسات التي تناولت مدينة مكة من جميع نواحيها عبر التاريخ، بداية من مؤلفات المكيين، وصولا إلى مؤلفات المجاورين، والرحالة المسلمين، ثم المستشرقين. وضمن مغالطات البتنوني في رحلته نجده يقول «رأينا أهل جدة يميلون إلى اللباس الأحمر لا فرق في ذلك بين كبيرهم وصغيرهم، وربما كان ذلك من تأثير الوسط الذي يعيشون فيه، فتراهم يشدون على وسطهم حزاما أحمر ويضعون على رأسهم شالا لونه كذلك، وكثيرا ما ترى صبيانهم يلبسون جلابيب بيضاء، وعليها صديرية حمراء، وحتى الطبقة العالية منهم يكثر في لباسهم اللون الوردي أو ما يقرب منه»، ولا أدري ما الذي عناه بالوسط الذي يعيشون فيه، وما علاقة ذلك باللون الأحمر، والمعروف أن غالب لباس أهالي جدة ومكة اللون الأبيض، أما الحزام الذي يتمنطقون به فهو في الغالب من اللون البني المنقوش، أو الأصفر، أما العمائم فهي في العادة بيضاء أو صفراء، أو خضراء، وليس فيها اللون الأحمر. وعندما تحدث عن المياه في مدينة جدة نراه يقول «يظهر أن الحكومة لا يمكنها عمارة العين إلا بمعونة الأهالي، وهم لا يساعدون على ذلك، لأن لهم مصلحة في بيع مياه صهاريجهم على الحجاج بأثمان باهظة». والواقع أن المسؤول عن ذلك الحكومة العثمانية وليس الأهالي، وإن كان لا ينكر دور الأهالي، الذين كانوا يساهمون مساهمات فعالة في ذلك عبر التاريخ، وليس أدل على ذلك من الصهاريج الخيرية التي أنشأها الشيخ أحمد المشاط في جدة، والأوقاف التي أوقفها كثير من أهالي جدة لتسبيل المياه. كما يقول عند حديثه عن المجتمع المكي واختلاط الأعراق فيه «وقد وصل هذا الخلط إلى أزيائهم التي تراها مجموعة مختلطة من أزياء البلاد الإسلامية عمامة هندية، وقفطانا مصريا، وجبة شامية، ومنطقة تركية فيها خنجر»، والواقع أن البتنوني لم تسعفه معلوماته، ليكتشف أن العمامة هي لباس عرفه أهالي مكة وعرب الجزيرة قبل الإسلام، وأقر لبسها الإسلام، ولا تصح نسبتها لغيرهم، أما الجبة فهي لباس تعرفه معظم الممالك الإسلامية في ذلك الوقت، ولا يختص ببلد دون آخر، وإن كان الخلاف يقع في التفاصيل الدقيقة للباس، وليس في شكله العام. أما القفطان فلا يعرف في مكة، وكما يبدو فإن البتنوني خلط بينه وبين الجبة والمنطقة التركية التي ذكرها كانت معروفة في مكة قبل العهد العثماني ووصفها ابن جبير في رحلته إلى مكة، أي قبل رحلة البتنوني بأكثر من سبعمئة سنة، حيث يقول في وصف الأمير مكثر «دخل إلى الحرم لابسا ثوب بياض، متقلدا سيفه على خصره»، وهذه من العادات العربية القديمة.

makkawi@makkahnp.com