الإفراغ الشرعي يسهم في اندثار الأوقاف بمكة (2-2)
ازدهرت الأوقاف في العصرين المملوكي والعثماني في مكة المكرمة، إلا أن الأمر المثير في موضوع الأوقاف خصوصا من المباني التي أوقفها السلاطين والتي كانت تعرف بالأوقاف السلطانية أنها كانت تندثر وتتلاشى بموت أصحابها من الواقفين، تبعا لفتاوى شرعية تجيز تغيير شرط الواقف على اعتبار أن أصل هذه الأوقاف من بيت مال المسلمين، كما أن ضعف الإنفاق عليها، والاستيلاء على أوقافها المخصصة للصرف عليها خارج مكة، كان يجعلها تتدهور، وتتعطل
الخميس / 20 / ربيع الأول / 1437 هـ - 12:45 - الخميس 31 ديسمبر 2015 12:45
ازدهرت الأوقاف في العصرين المملوكي والعثماني في مكة المكرمة، إلا أن الأمر المثير في موضوع الأوقاف خصوصا من المباني التي أوقفها السلاطين والتي كانت تعرف بالأوقاف السلطانية أنها كانت تندثر وتتلاشى بموت أصحابها من الواقفين، تبعا لفتاوى شرعية تجيز تغيير شرط الواقف على اعتبار أن أصل هذه الأوقاف من بيت مال المسلمين، كما أن ضعف الإنفاق عليها، والاستيلاء على أوقافها المخصصة للصرف عليها خارج مكة، كان يجعلها تتدهور، وتتعطل. ولو تتبعنا تاريخ معظم الأوقاف السلطانية لوجدنا أنها لا تستمر طويلا، برغم قيود الحماية التي وضعها الفقهاء والعلماء والقضاة على هذه الأوقاف، والقليل جدا منها هو الذي يستمر. فعلى سبيل المثال نجد أن أوقاف السلطان قايتباي التي أنشأها في مكة سنة 884هـ، وكانت من أضخم المباني الوقفية يصفها المؤرخ القطبي النهروالي في كتابه الإعلام بأعلام بيت الله الحرام بقوله «جعل السلطان قايتباي في هذا المجمع اثنتين وسبعين حجرة، وصيره مدرسة بناها بالرخام الملون والسقف المذهب، وأرسل خزانة كتب أوقفها على طلبة العلم، وجعل مقرها المدرسة، وجعل لها خازنا»، وكان يتبع هذا المبنى مجموعة أخرى من المباني كالميضأة والسبيل، ودار الأيتام، ورباط خيري، ومكتب لتعليم الصغار. إلا أن هذا المبنى وبعد وفاة قايتباي بعدة سنوات، قسم إلى وحدات صغيرة، كان يسكنها أمراء الحج، ثم تحول إلى مجموعة من المحلات التجارية والدور السكنية، تملكها الأهالي فيما عرف بنظام الإفراغ الشرعي، والذي يسمح باستخدام الأوقاف السلطانية لسنوات طويلة، واستثمارها في مقابل مبلغ مالي بسيط، وهو يشبه إلى حد بعيد نظام الحكر. ومن الأوقاف المندثرة أوقاف الأشرف شعبان، وهي أيضا من الأوقاف الضخمة، استولى على جزء منها الخواجة ابن الزمن في عهد السلطان قايتباي أيضا بالنظام المعروف بالحكر، وبنى عليها مجموعة من المباني الوقفية، وبمرور الأيام، تعطلت واندثرت حتى آلت في النهاية إلى الشيخ عبدالله بن يوسف باناجة، وكان مكانها القصر الشهير بقصر باناجة في المسعى. ومثلها في ذلك مجموعة الأوقاف الكبيرة التي أنشأها السلطان سليمان القانوني في مكة، وعرفت بالمدارس السليمانية، والتي أصبحت عبارة عن مجمعات سكنية، وحكومية كانت تشغل المحكمة الشرعية بمكة جزءا منها، وعطلت وظيفتها التي كانت عبارة عن مدارس تدرس المذاهب الأربعة، وبيمارستان، وغرف للطلبة، وغيرها من المنشآت. ووصل الحال في أوقاف السلطان سليمان أن استغلت المساحات التي كانت بين القباب في بناء وحدات سكنية، وتحول البيمارستان إلى مكان لبيع الرقيق. كما طال هذا الأمر الأوقاف الضخمة التي كانت تعرف بالخاصكية، والتي أنشأتها زوجة السلطان قانوني، وكانت عبارة عن مجموعتين كبيرتين من المباني الوقفية، تضم إحداهما مدرسة ورباطا وكتابا لتعليم الأطفال وسكنا للناظر، والطلبة، وتقع في الصفا. أما المجموعة الأخرى والتي كانت تقع في المدعى بجوار مسجد الراية فتضم مطعما ومطبخا، ومخازن للغلال، جميع هذه الأوقاف اندثرت، وتحولت إلى محلات تجارية، ومساكن خاصة. وخلاصة القول إن الأوقاف، لم تؤت ثمارها كما خطط لها الواقفون، لذلك نجد الشيخ فالح الظاهري، من علماء المدينة المنورة، تبعا لما رآه من ضياع الأوقاف يقول «أجازه جل العلماء - أي الوقف - وقال الأقل: لا يجوز، أي لأنه لم تعرف له حقيقة، ولا تثبت له طريقة، ولذا أجاز النعمان بيعه، وقول الأقل: هو المتعين اليوم لأمور منها، أن أهل المذاهب فرعوا فيه تفاريع خارجة عن حدود الشريعة، ومنها أنه اليوم عبث، لأن كل أحد يعرف أن الأوقاف اليوم عرضة للظلمة والنظار عليها، وأنها لا تجري مجراها، ولا تلم بشيء من قصد الواقف أصلا، فلا أظن مسلما يقول بجوازه اليوم». وأشار كثير من المؤرخين إلى ضياع الأوقاف، واندثارها، وتعطلها، وتوالي الأيدي عليها، مما أفقدها قيمتها، وجعلها أشبه ما تكون بالأملاك الخاصة. والغريب أن بعض الدراسات الحديثة بالغت في دور الأوقاف السلطانية بالنسبة لمكة المكرمة، اعتمادا في ذلك على الوثائق الخاصة بهذه الأوقاف، وما دون فيها، دون النظر إلى مآل هذه الأوقاف، وما صارت إليه، ودون دراسة الوضع الاقتصادي لمكة، دون هذه الأوقاف.
884هـ
- أنشئت أوقاف السلطان قايتباي في مكة
- أوقاف الأشرف شعبان من الأوقاف المندثرة
makkawi@makkahnp.com