الصراع على حوض المتوسط
منذ أيام الفينيقيين والإغريق وأمجاد الإمبراطورية الفارسية وحوض المتوسط يمثل أهمية استراتيجية لكل إمبراطورية تريد أن تحكم العالم أو على الأقل تريد أن تكون دولة لها نفوذ راسخ على المعابر المائية والبرية المهمة التي تربط بين أطراف العالم.
الأربعاء / 12 / ربيع الأول / 1437 هـ - 12:15 - الأربعاء 23 ديسمبر 2015 12:15
منذ أيام الفينيقيين والإغريق وأمجاد الإمبراطورية الفارسية وحوض المتوسط يمثل أهمية استراتيجية لكل إمبراطورية تريد أن تحكم العالم أو على الأقل تريد أن تكون دولة لها نفوذ راسخ على المعابر المائية والبرية المهمة التي تربط بين أطراف العالم. لذا فإنه ليس من الغريب أن يكون حوض المتوسط منطقة اضطرابات وقلاقل وحروب مزمنة. حتى في آخر الحروب الحديثة الحرب العالمية الأولى والثانية كان حوض المتوسط مسرح عمليات للأمم المتصارعة، وبالرغم من أن شعوب شرق وجنوب المتوسط لم تشارك في الحرب العالمية الثانية إلا أن صراع الأوروبيين امتد ليصل إلى جنوب المتوسط بين الإنجليز والألمان الذي وصل أوجه في معركة العلمين، وكذلك في شرق المتوسط بين حكومة فيشي الفرنسية الموالية للنازيين والحلفاء على الأرض السورية. الملاحظ الآن أنه ومنذ قرن من الزمان وبعد تبلور النظام الدولي بشكله الحالي ما زالت عملية نزع شرق المتوسط من العرب مستمرة، فبداية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى واستقلال تركيا بشكلها الحالي وتخليها عن إمبراطورية الخلافة ضم إليها لواء إسكندرون الذي يمثل عالية شرق المتوسط. وبعد الحرب العالمية الثانية انتزع اليهود الغربيون جزءا كبيرا من شرق المتوسط الذي يمثل فلسطين التاريخية. وتزعم الموازنة حلفاء فرنسا على لبنان، وفيما بعد العلويين على سوريا والذين تحالفوا مع الفرس المتعصبين زعماء الثورة الإسلامية الإيرانية. ولم تبق إلا غزة ككيان سياسي صغير على شرق المتوسط التي ما زالت مهددة هي الأخرى بالسحق. مجرد نظرة سريعة على خارطة العالم تجد أن شرق المتوسط ابتداء من إسكندرون إلى غزة قد انتزع شبه كلي من العرب بعد ألف وأربعمئة سنة من الهيمنة، والتي بالطبع تخللتها عقود من الاحتلال الأجنبي متمثلا في الحملات الصليبية وغزوات المغول والتتار. العرب بالتأكيد لم يكن وصولهم لشرق المتوسط حديثا مع الفتح الإسلامي، فقد سبق ذلك بآلاف السنين مع وصول العماليق والفينيقيين من الساحل الشرقي لجزيرة العرب، وما تبعهم من هجرات للقبائل العربية قبل الإسلام كجذام ولخم وقضاعة وغيرهم، والتي عانت من الاحتلال البيزنطي لشرق المتوسط. حتى استطاع العرب طرد البيزنطينيين والعودة مرة أخرى إلى شرق المتوسط مع الفتح الإسلامي. قد يقول قائل: الموارنة عرب والعلويون عرب، والعرب كسكان موجودون في طرابلس وبيروت وحيفا وعكا ويافا واللاذقية... فلماذا هذه النظرة الإمبريالية الشوفينية؟! لكن الذي نراه اليوم هو طرد سياسي ونزع للسيادة العربية الذي من المؤكد يتبعه تهجير ديمجرافي، كل ذلك بفعل تغلغل النفوذ الأجنبي عبر الأقليات كالفرنسي والفارسي والروسي مؤخرا! خلال الستين سنة الماضية هجر نصف سكان لبنان بفعل 16 سنة هي مدة الحرب الأهلية وملايين الفلسطينيين على يد الصهاينة المتطرفين، والآن ملايين السوريين تحت إشراف النظام الدولي الذي حاصر الثورة السورية وأرغم الثوار على التفاوض مع حليف إيران وروسيا. ولست متشائما عندما أقول إن العرب دخلوا بداية قرن جديد وهم يمرون بشيخوخة سياسية عاجزة عن الصمود أمام الأمم الفتية الأخرى. الفرس يفاوضون سادة العالم ببراعة والترك استطاعوا بناء دولة قوية ذات دور محوري فعال. بينما بعض معشر العرب مشغولون في التفاهات والصراعات والتآمر على بعضهم بعضا. وسيطرد العرب من شرق المتوسط مثلما طردوا من إسبانيا بفعل حماقاتهم واستبدادهم.