صور من الحجاز
تكشف روزنامة مصورة لإحدى الرحلات الأردية إلى الحجاز قبل 100 عام، ملامح عادات مجتمع الحجاز حين يحمل عدد من الرجال كل خميس أبناءهم وهم في أزهي حلة، ومعهم خبز أو حلى إلى المسجد النبوي، ويطوف بهم الأغوات داخل القبة، وعندما يخرجون يتهافت الناس نحو الأطفال للمسهم. تضمنت الرحلات معلومات موسعة حول الحجاز جغرافيته ومعالمه وطبائع أهله وفسيفسائه المذهبية، لكنها ظلت رهينة لغتها لقلة الاهتمام باللغة الأردية، والحاجز اللغوي، وعدم التواصل الاجتماعي، ملاحظات الرحالة المدونة في الروزنامة قد تحتوي على أمور لا يتفق عليها العلماء إلا أنها ترصد حياة المجتمع.
الاحد / 16 / ربيع الثاني / 1435 هـ - 01:30 - الاحد 16 فبراير 2014 01:30
تكشف روزنامة مصورة لإحدى الرحلات الأردية إلى الحجاز قبل 100 عام، ملامح عادات مجتمع الحجاز حين يحمل عدد من الرجال كل خميس أبناءهم وهم في أزهي حلة، ومعهم خبز أو حلى إلى المسجد النبوي، ويطوف بهم الأغوات داخل القبة، وعندما يخرجون يتهافت الناس نحو الأطفال للمسهم. تضمنت الرحلات معلومات موسعة حول الحجاز جغرافيته ومعالمه وطبائع أهله وفسيفسائه المذهبية، لكنها ظلت رهينة لغتها لقلة الاهتمام باللغة الأردية، والحاجز اللغوي، وعدم التواصل الاجتماعي، ملاحظات الرحالة المدونة في الروزنامة قد تحتوي على أمور لا يتفق عليها العلماء إلا أنها ترصد حياة المجتمع. توالت الرحلات الأردية على الحجاز في مختلف الحقب التاريخية التي وصفت معالم المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وعرضت تراث الحجازيين إلا أنها ظلت كما يرى الباحث في التراث الأردي راسخ الكشميري، لم تر النور لضآلة حركة الترجمة ويشير إلى أن أكثر الأعمال المترجمة دينية نقلت من العربية إلى الأردية، أما في الثقافة والأدب فقلما ترى عملا مترجما وطالب بضرورة وجود اتفاقيات لنقل تراثهم من أدب الحجاز عموما، والمدينتين المقدستين خصوصا، والأدب العربي إلى لغاتهم ولصلة كُتَّاب اللغة الأردية بالحرمين الشريفين، ظلوا وما زالوا يتغنون بزياراتهم للحجاز، ويصبون أشواقهم في قوالب الأدب
روزنامة الدهلوي
ويكشف المترجم الكشميري عن روزنامة مصورة باللغة الأردية تعود إلى عام 1329ـ 1911 لحسن نظامي الدهلوي، يحكي فيها وقائع سفره إلى مصر والشام والحجاز ويسرد إحساسه تجاه الحجاز تحديدا، ويذكر الحوادث خلال تنقلاته، ومن قابلهم من الساسة وأصحاب النفوذ من الأتراك أو الإنجليز تقع الروزنامة في 207 صفحات، وترصد صورا من المجتمع الحجازي، بينها أمور تمثل إشكالا لدى بعض العلماء حول المواليد الجدد في المدينة المنورة كما يذكر الدهلوي: رأيت في أحد الأيام من يدخل الأطفال الرُّضَّع إلى القبة الشريفة، والخميس هو اليوم المقرر لذلك، جمعٌ من الرجال يحملون أبناءهم يُلبسونهم ملبسا حسنا، ويحملون معهم خبزا أو حَلَى، يأخذهم الأغوات إلى داخل القبة ويطوفون بهم، وعندما يخرجون من القبة يتهافت الناس نحو الأطفال ويتجاذبونهم، يقصدون لمسهم وتقبيلهم تبركا، إذا لم يُتدارك الأمر لسقط الرضع وأصيبوا بجروح أما الخبز والحلى فيتقاسمه الأقارب، والكل يبارك لأم المولود قائلين لها في فرح : حظ ابنك حسنٌ، فالله أراه هذا اليوم المبارك بأن استفاض من مزار رسول الله ويمضي الدهلوي رأيت الأطفال يبكون ويصرخون، وبمجرد دخولهم القبة يسكتون، وحتى خروجهم، وأتعجب أنهم لا يزالون صامتين حتى وقت تهافت الناس عليهم
رحلة حجازي
شريف حسين، واسمه المستعار الذي يكتب به هو نسيم حجازي، ولد عام 1914 في (غورداس بور) في إقليم بنجاب، ويتضمن كتابه 167 صفحة، مكتوبة بخط النسخ اليدوي، وترجع تدويناته إلى 1960، سيرة سفره إلى الحجاز مرورا بإيران وتركيا ودمشق ويقول «صمتَ المعلِّم قليلا، ثم شرع في الدعاء، فتابعته في القراءة وأنفاسي تختلط ببعضها بكاء، التفتَ المعلَّم إليَّ وربَّت على كتفي شفقةً علي لبكائي المتواصل، ثم قدَّمني خطوات قليلة، فوقفت أدعو على عتبة باب الرحمة طويلا، وإن كان في قلبي دعاء أُلجمتُ، ولم أجد ألفاظا أترجم بها مكنون الضمير، ثم تنبَّهت أنَّ جمعا غفيرا من الناسِ يقفون خلفي، فملتُ جانبا وتعلقتُ بأستار الكعبة، الآن وقد كففت عن البكاءِ صرت أردد الأدعية، ورفعتُ يدي للدعاء إلى أقصى درجة، وليس لطالب حاجة أن يقف موقفا أفضل من هذا المقام
طبائع وأخلاق
ويتحدث حجازي عن زياراته ومشاهداته في المدينة المنورة وفقاً لترجمة الكشميري «وبعد أن انتهيت من زيارتي لوادي يثرب الخضراء فكرتُ في المدينة المنورة وقاطنيها التي تشرَّف أهلها بضيافة سيد الكونين صلوات ربي وسلامه عليه، والتي دعا لها عليه الصلاة والسلام بالشرف والرفعة، فهي مأوى ومزار المسلمين منذ أربعة عشر قرنا، ولا تمر لحظة في العالم إلا ويتمنى فيها أحد المسلمين داعيا ربه بأن يُشَرِّفهُ بزيارتها، وهذا إحساس يعيشه كل مسلم، فالداخل إليها لا يشعر بأنه أجنبي فيها، بل يظُن أنه رأى هذه المناظر من قبل، وسعى في أزقتها وأسواقها، وتنفَّسَ في فضائلها» ويصف أهل المدينة: «بأنهم متميزون في أشكالهم، وأخلاقهم، وحسن حديثهم، ووسع إدراكهم ليس عن العالم الإسلامي فحسب، بل وحتى عن العالم العربي، واليومُ وبالرغم من أن العالم يعيش في اضطراب يعيش أهل المدينة في رخاء وسكون، ولن تجد مثالا أخويا يؤثر فيه شخص أخاه المسلم على نفسه إلا في المدينة المنورة بأن تجد محلات تجارية مجاورة لبعضها، فإذا أتى مشتريان إلى محل واحد، وتبضَّعا منهُ، وتبعهم ثالث يقصد ذات المحل، يشير إليه صاحب المحل بأنك تجد بضاعتك المطلوبة ذاتها في المحل المجاور لي بنفس السعر، وهذا لأنه رأى جاره التاجر لم يبع شيئا «أما حسنُ أخلاقهم فإنك لن تجد شخصا يقهقهُ ضاحكا، بل يعيبون الحديث بصوت عالٍ، ورأيت حول الروضة الشريفة أناسا يتهامسون خوفا من أن ترتفع أصواتهم في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما إذا سألت أحدهم ليدلك على طريق يمشي معك حتى يوصلك إلى المكان المطلوب»
إقبال والحجاز
محمد إقبال شاعر ومفكر باكستاني، رغم أنه لم يَزُر الحجاز، لكنه قدم للأدب الأردي كتاب (أرمغانِ حجاز)، ويعني (هدية الحجاز)، نُشر بعد وفاته، ويحوي مجموع شعره الأردي والفارسي، وكان قد نوى إكمال الديوان بعد زيارة الحرمين وأداء فريضة الحج، لكن الموت لم يمهلهُ رحمه الله ويتحدَّث العلامة الندوي رحمه الله حول الموضوع، فيقول «عاش إقبال حياته محبا للنبي صلى الله عليه وسلم، مشتاقا إلى المدينة، متغنيا بها في شعره، فكان كلما ذكرت المدينة فاضت عيناه، ولم يقدِّر الله له الحج وزيارة الحرمين، وعاش يعاني الأمراض، لكنه رحل إلى الحجاز بخياله القوي، وشعره الخصب العذب،حلَّق في أجواء الحجاز، وكان شعره في النبي قويا وبليغا»