الرأي

نظرية القرود المنفردة!

منى عبدالفتاح
هذه النظرية، مناسِبٌ أن تُستبدل بها نظرية «الذئاب المنفردة» التي يطلقها تنظيم داعش - ومن قبله تنظيم القاعدة - على المنتمين إليه، ممن ينفذّون العمليات دون ارتباط مباشر مع التنظيم.

وفي الأصل أُطلق الاسم على بعض المتطرفين في الغرب منذ القرن التاسع عشر، حينما طوّرها الفوضويون إلى نظرية «المقاومة بلا قيادة»، وقد لاقت هذه النظرية رواجا بين حركات اليمين المتطرف وغيرهم في الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي.

وظاهرة «الذئاب المنفردة» أو الجنود التائهة، تقضّ الآن مضاجع الغرب كما الشرق الأوسط، ونتج عن ذلك أن اتُخذت نظرية أمنية للتعامل مع ملف الإرهاب الدولي. تتحدث النظرية عن إرهاب فردي يرتكبه أو يتآمر لارتكابه شخص يتصرف بمفرده، ويعمل بدون نفوذ مباشر لقائد أو تراتبية تنظيمية. كما تظهر من خلال جماعات صغيرة العدد ليس لديها تواصل مباشر مع التنظيم الإرهابي ولكن يعتنقون أفكاره ويرتبطون أيديولوجيا به لدرجة أن يتبنوا هذا الفكر ويسلكوا الطريق التكفيري دون أن يتبعوا التنظيم المتطرف مباشرة.

وهؤلاء يقومون بالتخطيط لعمليات إرهابية بصورة مستقلة ووفقا لمقتضيات الواقع والبيئة التي يعملون فيها. يسعون إلى التطوع الإرهابي بتعلّم كيفية التدمير باستخدام الأسلحة والأحزمة الناسفة والقنابل اليدوية عن طريق مواقع الكترونية أو طُعم يُلقيه التنظيم من على البُعد حتى لا يكون عُرضة لانكشاف أمره.

وتكمن خطورة هؤلاء الأفراد في أنّ منع مثل هذه الهجمات أمرٌ شديد الصعوبة ما لم تكن لدى السلطات معلومات عن نية الشخص القيام بمثل هذا العمل. وتجد مثل هذه الأعمال الفردية تشجيعا من المتطرفين وتحفيزا على القيام بمثلها بدلا من العمل بشكل جماعي لتنفيذ خطة ما، وذلك لأنّ مراقبة نشاط الأفراد أمر أكثر تعقيدا من خيط واحد يؤدي إلى الجماعة التي ينتمي إليها الشخص. كما أنّها تزيح عن كاهل التنظيم الإرهابي أمور التسيير من أموال وتأمين على العمليات المنفذة بواسطة التواصل بأي وسيلة كانت. فالذئب المنفرد يؤمن بأدبيات التنظيم الإرهابي ويكون على استعداد لأن يقتل متى ما سنحت له الفرصة. وخطورة الذئب المنفرد لا تنفيها عدم احترافيته بل تزيدها عنفا لأنّه يكون كالثور في مستودع الخزف.

قلتُ في بداية المقال إنّ الاسم المناسب أكثر لهذه الفئة الضالة هو «القرود المنفردة»، فخطورة العملية التي يقوم بها الفرد جانيا على نفسه وعلى مجتمع آمن وأشخاص أبرياء، ووقوعه في قبضة الجهات الأمنية متلبسا بجرمه، تثبت أنّه كيف تمت مصادرة حقّه من قبل في التفكير واستخدام عقله.

وبمسح بسيط لتراجيديا الجرائم التي قام بها هؤلاء الأشخاص، يتضح أنّ الواحد فيهم يقوم بالعملية بشكل منفرد بعد أن يكون قد تشبّع بالفكر الإرهابي لدرجة تجميد عقله وسلب إرادته والتصرف كما المنوّم مغناطيسيا. فالإرادة المتحركة هنا هي إرادة التنظيم الإرهابي، والجريمة المراد تنفيذها هي أيضا لمصلحة التنظيم وبإيعاز منه حتى ولو لم يكن له تواصل مباشر. أمّا اختيار القرود بدلا عن الذئاب، فهو أتى من نظرية القرود الخمسة المعروفة والتي تدخل في علم الاجتماع بشكل أكبر من علم الإدارة. فهذه النظرية تُلغي إرادة الفرد وتجعله يتصرف وفقا لما يرى سابقيه يفعلونه، دون التفكير لماذا فعلوا هذا الأمر. وهو بالضبط ما تصنعه هذه التنظيمات الإرهابية، فهي تخلق من هؤلاء المتطوعين لتلطيخ أياديهم بجرائمها مجرد أغبياء يقومون بها دون أن يعلموا لمَ يفعلون هذا.

أغلب من قاموا بهذه العمليات هم ممن تطبعوا بطبع القرود في النظرية المعروفة، ووصلوا مرحلة من الغباء بأن تبرمجوا وتشكّل سلوكهم لا شعوريا بألّا يفكروا خارج صندوق التفكير الإرهابي ولا يحيدوا عنه وإذا سألوهم لماذا فعلتم ما فعلتم، لن تجد عندهم سوى أنّ هذا ما ألفوا عليه من يؤمنون بهم وبنظرياتهم العجيبة.

mona.a@makkahnp.com