الرأي

سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يهدد مجتمعنا

خالد عبدالرحيم المعينا
كان لدخول وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة آثار إيجابية كثيرة منها، على سبيل المثال، أنه لم يعد في مقدور أساطين الإعلام حجب المعلومة، وإخفاء الأحداث عن أعين الناس بحيث لا ترى النور كما كان يحدث في الماضي.

لقد أصبحت المعلومات متوفرة بفضل هذه الوسائل وأصبح المسؤولون المخطئون عرضة للمساءلة والمحاسبة من قبل السلطات العليا.

لم يعد بالإمكان إخفاء أي شيء أو التستر عليه وإبقاؤه في الظلام بعيدا عن علم الناس وتفاعلهم.

لكن لوسائل التواصل الاجتماعي أيضا جوانبها السلبية التي لا تخفى على أحد والتي قد لا تكون في بعض الأحيان سالبة فقط لكن قد تكون مسيئة وضارة، حيث يمكن استخدام هذه الوسائل التي طرأت على حياتنا حديثا لنشر الأكاذيب والضلالات والكراهية والإشاعات لمهاجمة الآخرين الذين قد لا يكونون من طائفتنا نفسها أو ينتمون إلى مجموعة عرقية مختلفة.

وعلى هذا الأساس، يتم في بعض الأحيان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك، والتويتر، والانستقرام وحتى السناب شات للنيل من شرف بعض الناس وكرامتهم.

وعلى سبيل المثال، عندما كتب أحد رجال الأعمال البارزين في مدينة جدة معلقا على الميزانية وقال إن السعوديين مدلعون، قامت عليه الدنيا ولم تقعد وانبرى له المواطنون منتقدين ما قاله وأشبعوه هجوما لاذعا ومهينا، ولم تسلم حتى حياته الشخصية من القيل والقال والغمز واللمز في منتديات التواصل الاجتماعي.

وكما جرى القول بأن «المعرفة القليلة شيء خطير»، فحتى الناس الذين لا يعرفون ما وراء تعليقات رجل الأعمال ولم يفهموا مقاصده الحقيقية انضموا إلى الحملة التي أرادت سلخ جلد الرجل حيا، والسخرية مما قاله والتطاول عليه بالشتائم والهجوم.

لقد كانت الحملة ضد الرجل شعواء ومتسعة واستمرت لأسابيع عدة تكشف خلالها الوجه القبيح والمظلم لمجتمعنا.

وبعيدا عن هذا، فهناك بعض أشرار البشر الذين يكتبون التعليقات وينسبونها إلى أشخاص آخرين. وسرعان ما يبدأ المواطنون الطيبون في إعادة تدويرها ونشرها حتى على بريدهم الالكتروني الخاص، وأيضا هناك من يعيد الرسالة بنية خبيثة لأشخاص آخرين مقرونا بجملة «كما وصلني» وهذا ما يساعد على سرعة تغلغلها وسط أفراد المجتمع.

ويذهب هؤلاء «المواطنون الطيبون» إلى أبعد من ذلك حيث يرسلون هذه التغريدات بالفاكس إلى أصدقائهم ومعارفهم ويجدون متعة خاصة في جلد الضحية ونتف ريشه.

وينحى بعض الناس في مجتمعنا إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إلى إظهار وطنيتهم وإبراز ولائهم للدولة في محاولة لكسب رضا القيادة وهم لا يعلمون أن القيادة واعية ولا يمكن خداعها بسهولة.

وهذه محاولات رخيصة ولا تقنع أحدا فالوطنية ليست بالكلام السهل الرخيص لكنها بالمواقف البطولية والتضحيات ونكران الذات في سبيل الوطن وخدمة قضاياه.

وفي مساعيهم المستميتة لإظهار الوطنية قد يكون لهم ضحايا يستخدمونهم للقفز على ظهورهم وقد يصدق بعض الناس هذه الادعاءات الكاذبة ويستخدمون سكاكينهم أيضا لسلخ جلد الضحية الذي كان مجرد كبش فداء لهؤلاء الأشرار. والأدهى من ذلك أن يقوم الذين نصبوا أنفسهم «حماة للوطن» باعتقال المجني عليه الذي صدقوا بهتانا وزورا أنه هو الشخص الذي كتب ما كتب في مواقع التواصل الاجتماعي، بينما قد لا تكون له أدنى فكرة عما كتب باسمه.

وفي هذه الأثناء يتم التغافل عن الحقائق والبراهين الساطعة، وتحاك المؤامرات، وتطبخ الاتهامات فيجد الضحية المسكين نفسه عرضة لألسنة الأشرار الذين لا يتركون سانحة للنيل منه وبعثرة كرامته، وعليه من الضروري سن قوانين رادعة تجرم كل من يستغل وسائل التواصل في سب وشتم الأشخاص والمذاهب الأخرى والتشكيك في وطنيتهم.

ولا يتورع هؤلاء اللئام عن استخدام حسابات وهمية لجذب المزيد من المتابعين لغواياتهم وأكاذيبهم المرجفة كما لا يتورعون عن وصف كل من لا يصدقهم أو يساند ادعاءاتهم الكاذبة بأنه «خائن وعميل». وحيث إننا مجتمع ينقصه الكثير من الوعي السياسي، فإن بعضنا يقع فريسة سهلة في مصيدتهم وينظرون إلى كل من ينفر عن اتباع هؤلاء الأشخاص المغرضين بأنه خائن لوطنه وأمته.

وبالطبع فلا يعقل أن يكون كل أفراد المجتمع ببغاوات تردد ما يقوله الآخرون فمنهم الكثير من العقلاء بل قد يكون معظمهم من العقلاء المستنيرين الذين لهم آراؤهم وأفكارهم ومواقفهم الخاصة.

وأقول للأشرار المرجفين إننا نعرفكم ومتيقظون لمؤامراتكم ولن تنطلي علينا حيلكم وألاعيبكم بل نحن نشفق عليكم ونرثي لحالكم وقلة حيلتكم.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فقد كتبت إحدى السيدات قبل أيام تغريدة طالبت فيها باعتقالي بتهمة «عدم الوطنية» ويحق لي أن أسأل هذه السيدة وغيرها: هل أنتم الوكلاء الوحيدون المعتمدون للوطنية والولاء؟

إن وسائل التواصل الاجتماعي منتديات جيدة وسريعة وفاعلة، ويجب بالتالي استخدامها بحصافة لنشر الوعي، والقيم الجميلة، والتركيز على ثقافتنا وعاداتنا السمحة وموروثاتنا الجميلة، أما إذا استخدمناها في غير هذه الغاية، فإننا سنظل نقبع في ظلام الجهل والتخلف.