الرأي

هل يُسمع لرأي المواطن؟

اسمه (أحمد)، شاب لطيف التقيته صدفة قبل يومين في رحلة على متن الخطوط السعودية - من المدينة المنورة للرياض - وهذا الشاب لديه قصة طويلة مليئة بالأحزان والمعاناة، بدأت قبل سنة، وذلك عندما أصابته حمى وذهب لأحد المستشفيات في المدينة المنورة (احتفظ باسمه)، وأعطي إبرة فولتارين بجرعة زائدة بالخطأ، وكانت النتيجة أن شلت رجله اليمنى!

بعد علاجات وتردد على مستشفيات كثيرة لم تجد نفعا، اضطر للجلوس على صفيح العلاج الشعبي، حيث اكتوى ثلاث مرات متفرقة، بحصيلة 12 كية في جسده النحيل، وما زالت المعاناة مستمرة!

سألت أحمد: هل اشتكيت؟ قال: لا! وباستغراب يملأ آطام المدينة المتناثرة قطع السكون: صديق لي حدث له أمر مشابه، واشتكى في كل مكان.. ولم يصل لنتيجة، ولهذا قررت أن ارتاح من البداية، ولم أرفع قضية ضد أي أحد، وعند الله تجتمع الخصوم!

قلت له: يا أحمد.. يظل هذا قرارك ولا أتدخل فيه، لكن البلد ليس بالسوء الذي تعتقد! على سبيل المثال، مقال الأسبوع الماضي للعبد الفقير كان عن معاناة حي غربي مدينة الرياض، وتفاعلت أمانة مدينة الرياض، ووصلت للموقع وأعادت تهيئة المكان في اليوم التالي مباشرة! نحن في عهد سلمان الحزم يعين الوزير وبعد أسبوع - أسبوع فقط - يزاح من منصبه لأنه لم يحسن استقبال مواطن! هناك تفاصيل كثيرة وقصص أكثر تدل على أن الحكومة أصبحت أكثر تفاعلا وأقرب للمواطن من السابق، ولاحظ مثلا خدمات وزارة الداخلية، والتي أصبحت كلها - تقريبا - بشكل الكتروني! مراجعتك لمعاملة تجديد جواز أو الحصول على استمارة أسرع بكثير من مراجعتك لبعض جهات القطاع الخاص! وهذه ظاهرة غريبة ومخالفة للسائد أن يتفوق القطاع الحكومي على الخاص.

ليس الحديث على إطلاقه بطبيعة الحال، ولكن القصد أن هناك تحسنا ونقلة نوعية في الخدمات والتفاعل مع المواطن تحدث في المملكة يجب الإشادة بها، وإن أردت يا صديقي أحمد أوصلت معاناتك للصحافة، سكت أحمد عندها.. ودخلنا في صمت طويل بدده سؤال غريب: كم ستأخذ مني مالا حتى تكتب عن قصتي وتنشرها في الصحافة؟ ابتسمت له وذكرت أني أفعل ذلك دون مقابل، وواجبي ككاتب أو صحفي أن أنقل معاناة الناس وأتلمس همومهم، وأدرك في الوقت نفسه أن هناك دخلاء على المهنة يجيدون الرقص على جراح الآخرين، وحساباتهم البنكية تقطر خزيا لاستغلال شرف مهنة (القلم) في زيادة حصيلتهم المالية كل شهر!

عندها سكت أحمد طويلا.. وظهرت منه دمعة حزينة، وهو ينكأ جراح الأمس ويستذكر معاناة القَدم ومجتمعا لم ينصفه بعد، وأسهب في ذكر تفاصيل حكايته الموجعة.

زاد مساحة الألم أنه ذاهب للرياض بحثا عن علاج، ولكن طائرة الخطوط السعودية رفضت الإقلاع! رفضت حمل الشاب أحمد لمدينة يظن أنه سيدفن فيها آخر معاناته. بلا سابق إنذار ألغت السعودية تلك الرحلة، وتشرد المسافرون بلا سكن يوفر.. بلا أكل يقدم.. بلا إنسانية تحترم، اختفى أحمد بعدها في زحام المسافرين.. لم آخذ رقم جواله.. لم أعرف حتى اسم عائلته.. حمل معاناته وقدمه المشلولة من الطائرة ومضى.. وتركني غارقا في ذكرى الخيبات الأولى، وفي ذكرى الخيبات الأولى دوما هناك حنين جارح!

m.hathut@makkahnp.com