معرفة

الحميدية يتحول من مبنى مدرسي إلى ديوان حكومي

u0645u0628u0646u0649 u0627u0644u062du0645u064au062fu064au0629 u0642u062fu064au0645u0627 (u0645u0643u0629)
قرر السلطان عبدالمجيد بن محمود أحد سلاطين التنظيمات في الدولة العثمانية بناء أربع مدارس وقفية بمكة المكرمة أوائل 1266هـ، على أن يتبع هذه المدارس مجموعة من المباني الوقفية التي تقدم خدمات متنوعة، إضافة إلى الوظيفة الأساسية لها، وهي التدريس، ومن ذلك سبيل لسقيا الماء، مكتبة، مساكن خاصة للمدرسين، موقت الحرم المكي، والقيم على المكتبة.

وعندما علم بذلك الشريف عبدالمطلب أمير مكة المعزول، وناظر أوقاف الشريف غالب والذي كان مقيما في إستانبول حينها، تبرع بقطعة أرض كبيرة تقع بمنطقة أجياد تخص أوقاف والده الشريف غالب لبناء المشروع عليها، ولأنها وقف لم يكن من المسموح به أن تستخدم في غير ما خصصت له، فاستبدلت الأرض بمنزل يقع في الشامية يحقق غلة للوقف أكثر من الأرض الفضاء التي سيقام عليها هذا المشروع.

وفعلا بدأ في بناء المشروع الذي أطلق عليه اسم المجيدية نسبة للسلطان عبدالمجيد، والذي خصص له مبلغ للبناء، كما أرسل مجموعة ضخمة من الكتب في شتى العلوم، إضافة إلى آلات الرصد والتوقيت لتوضع في المدرسة والمكتبة، إلا أن وفاة السلطان عبدالمجيد في 1277هـ، حالت دون إتمام العمل.

ويبدو من تتبع الأحداث أن الأمور المالية للدولة اضطربت أو أن قناعة من خلفه في السلطنة بأهمية المشروع تغيرت، حيث قدمت عدة مقترحات للاستفادة من المبنى الذي لم يكتمل، كان من ضمنها تحويله إلى ثكنة عسكرية للجنود المقيمين في مكة، أو رباط للنساء، إلا أن أي منها لم ينفذ، وظل المبنى على ذلك حتى آل إلى الخراب.

ونتيجة لذلك أمر السلطان عبدالحميد سنة 1300هـ بأن يعاد بناء مبنى المجيدية ليستفاد منه مرة أخرى، إلا أنه تحول من مبنى مدرسي إلى ديوان للحكومة، ومقرا للوالي العثماني حين وجوده بمكة، وشرع من ذلك التاريخ في بناء المبنى الجديد على أنقاض المبنى السابق، وتم افتتاحه رسميا في 5 جمادى الآخرة 1303هـ، وزين من داخله بالنجف والثريات وفرش بالفرش الفاخر وكوفئ العاملين في البناء من بنائين ونجارين ومهندسين في حفل كبير حضره أمير مكة عون الرفيق والوالي، وعرف هذا المبنى منذ ذلك التاريخ بالحميدية، وتنطق في مكة بكسر الحاء.

ونلحظ هنا أن الوقت الذي استغرقه بناء هذا المبنى لم يتجاوز العامين وعدة أشهر، على ضخامته وكبر حجمه، ولعل ذلك يرجع إلى وجود الأرض والمبنى القديم الذي قام على أنقاضه هذا المبنى، إضافة إلى وجود الوالي عثمان نوري باشا الذي اشتهر بنزاهته وإخلاصه في الأعمال التي تسند إليه، مما ساعد على سرعة إنجاز المشروع.

وأصبح المبنى الذين يتكون من دورين وبدروم تحت الأرض مقرا يستقبل فيه الوالي المهنئين في الأعياد والمناسبات، ويجتمع فيه الأعيان والعلماء، ومشائخ الحرف والحوائر لمناقشة ما يريدونه من الوالي أو السلطنة، وفي المناسبات الرسمية كانت تصطف أمام المبنى الفرقة الموسيقية العسكرية صادحة بألحانها.

وعندما بدأ الشريف حسين بثورته سنة 1334هـ، كان من أوائل المباني الحكومية التركية التي استسلمت مبنى الحميدية، بعد أن قاوم وكيل الوالي وهو ضابط عسكري بقوات الشريف وظل يطلق النار من المبنى لمدة يومين قبل أن يستسلم.

ولأن مبنى الحميدية كان مقرا للحكومة من بداية القرن الرابع عشر، أصبح شاهدا على كثير من الأحداث العسكرية والسياسية ومصدرا للتنظيمات الصادرة عن مجلس الولاية في ذلك الوقت وسجنا للخارجين عن القانون.

ورفعت فوقه ثلاث رايات الراية العثمانية، ثم راية الشريف، وأخيرا وقبل أن يزال خفقت فوق المبنى الراية السعودية.

وشهدت الحميدية في العهد السعودي الكثير من الأحداث، وكما يقول محمد علي مغربي في كتابه أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر للهجرة «كانت الحميدية في العهد السعودي مجمعا للدوائر الحكومية يقع في الدور العلوي منها مجلس الشورى، وفي الدور الأرضي منه إدارة الأمن العام، والمحكمة المستعجلة، وكتابة العدل، وغيرها من الدوائر الحكومية».

وظل هذا المبنى العريق يؤدي دوره حتى تمت إزالته في التوسعة السعودية الأولى للمسجد الحرام.
  • - 1277هـ، أوقف العمل على مشروع المجيدية بوفاة السطان عبدالمجيد.
  • - رفعت فوق مبنى المحمدية ثلاث رايات العثمانية، ثم الشريف، وأخيرا وقبل أن يزال خفقت فوقه الراية السعودية.


makkawi@makkahnp.com