الرأي

حلبة المراهقين للكبار

تقريبا

هل نستطيع إنكار أن «كثيرا» من مثقفينا لا يتورعون عن تسفيه مخالفي آرائهم، وكثيرا من الجماهير لا تتورع عن شتم من يصدمها برأي مخالف للسائد دون التفكير فيه؟

ما زلت مقتنعا بأننا نخلق المعارك الكلامية، ونزرع التشنج، ونسقيه بتسفيه المخالف، ثم نتحدث عن أصول وآداب الحوار فيما بيننا، ونقدم الكثير من المحاضرات والفعاليات الدينية والثقافية عن أهمية تربية الأجيال على احترام الآخر وتقبل الآراء!

بعض الكبار ينتقدون «المراهقين» حين يتعاركون ويترافسون في شوارع العالم الواقعي، ثم يمارسون ذات الفعل بألسنتهم وأفكارهم في شوارع العالم الافتراضي!

ماذا سيقول المراهقون لو اطلعوا على صراعاتنا في وسائل خلقت للتواصل، لكننا صنعنا منها ساحات وميادين للعراك وحلبات للمصارعة؟

حين ترى معاركنا الكلامية، تشعر أننا نبحث عن أي جنازة لنشبعها لطما ونشبع معها شجبنا لذاتنا ومجتمعنا، وننتهز أي فرصة اختلاف للتخوين وإطلاق التهم على المخالفين ومؤيديهم، ثم يأخذنا الحماس فنهاجم الساكتين عن الرأي المخالف، معتبرين أن «الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس»!

مضت سنوات ونحن نتطاحن من أجل «لا شيء»، ونخون مخالفينا ونسفه رأيهم من أجل «لا شيء»، وكأن كلا الطرفين يحمل شعار: «رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، ورأيكم خطأ لا يحتمل الصواب»، ولا نفارق مجلسنا إلا بترديد عبارات: «الاختلاف رحمة»، و»الاختلاف لا يفسد للود قضية»!

الحقيقة أننا أدخلنا «الدين والوطنية» في كل قضايانا وجعلناها مقياسا لمدى اتفاقنا واختلافنا، فمخالفة ذلك الرأي مخالفة للدين، والاعتراض على ذاك الرأي مخل بالوطنية؟ لماذا لا يسعنا الاختلاف ونترك كل نفس تتحمل نتيجة أعمالها وإيمانها، بدل أن نجتمع في خندقين؟

إذا وصلت بنا الخصومة بأن نقتطع جزءا من كلام خصومنا لمحاربتهم وتأليب الرأي العام ضدهم، فنحن وصلنا إلى «القاع».. وهذا إقرار بأننا نخاصم الأشخاص لا الأفكار والآراء!

(بين قوسين)

لست معنيا بتصحيح كل الأفكار والآراء، لكنك معنيٌّ بتصحيح أفكارك وآرائك.