عقوق التاريخ
السبت / 20 / ربيع الثاني / 1437 هـ - 02:00 - السبت 30 يناير 2016 02:00
ساق الشيخ حمد الجاسر في الفصول التي نشرها في مجلة «العرب» عن مؤرخي نجد من أهلها، هذا القول السائر المشهور: «إن أسعد الشعوب هو الشعب الذي لا تاريخ له»، وأوضح بعدها ما تقصده هذه العبارة بقوله: «ويقصدون الشعب الذي لم تحدث في حياته حوادث تستحق عناية المؤرخين»، ثم يصل إلى غايته التي قصد إليها، وهي التأريخ لنجد، فيقول: «ولكن هذا القول لا ينطبق على سكان نجد... فلقد كان هذا الجزء مسرحا لكثير من الحوادث منذ أقدم عصور تاريخ العرب، ولكن عناية المؤرخين به كانت ضعيفة».
ويرجع الشيخ هذا الضعف إلى أسباب منها تأخر عصر التدوين، بعد ظهور الإسلام، إلى القرن الثاني الهجري؛ وأن المؤرخين لولا الحكومات ما عنوا بتسجيل أحداث التاريخ؛ وإلى افتقار نجد، في عصور الإسلام الأولى، إلى مؤرخين يسجلون تاريخها، كما حدث في غير ناحية من نواحي جزيرة العرب، ومنها المدينتان المقدستان، فغابت نجد عن التاريخ المدون إلى أوائل القرن الحادي عشر، حتى إذا كان القرن الثاني عشر أظلها تاريخ جديد، دونت كل أحداثه، وصار لها مؤرخون من أهلها، جرد الشيخ حمد الجاسر قلمه لتقييد شيء من آثارهم.
أهمل التاريخ نجدا قرونا طويلة، بل إنه يكاد يهمل مطارح كثيرة من الجزيرة العربية، ولولا أن مكة المكرمة والمدينة المنورة يقصدهما المسلمون للحج والعمرة والزيارة، لافتقرت هاتان المدينتان، ومن ورائهما مدن الحجاز وبلداته، إلى أثر مدون يجلو لنا طرفا من تاريخ هذه الناحية من بلاد العرب، غير أن التدوين الذي ضن على نجد اتسع للحجاز فلم يترك ناحية من نواحيه إلا ألم بها.
ولعلنا لا نكاد نظهر على كتاب يؤرخ لناحية من نواحي نجد، إلا ونقرأ فيه عبارة طالما تكررت في كتب القوم، فالتاريخ الذي كان ملعبه تلك المطارح في جاهلية العرب والصدر الأول من الإسلام، يبارح تلك الديار التي شهدت مولد العربية والشعر العربي، فلا يكاد يلمّ بها إلا قليلا قليلا، وحتى هذا القليل لا يكاد يشفي الغليل، ولا يبل الصدى، وبات المؤرخ وبات القارئ فرحين إذا وقعا على خبر هنا أو خبر هناك، عن هذه الأرض التي أهدت إلى كل من تكلم باللسان العربي خير الشعر وأجوده، وإذا بنا إزاء ظلم التاريخ لهذه الناحية من جزيرة العرب، نظهر على ألم مؤرخي نجد من أبنائها، في نغمة مرة، كلها عتاب لعقوق الثقافة العربية التي أعرضت عنها، حين تحولت الخلافة عن الجزيرة العربية، إلى العراق والشام، فغشتها طبقات من الظلام، لا نكاد نستبين منها شيئا.
وفي كتاب «الأدب الحديث في نجد» لمحمد بن سعد بن حسين كلام يرقى إلى أن يكون حنينا رومنطيقيا إلى نجد التي عقها التاريخ وبالغ في العقوق، وبينما نظهر في ماضيها على مقدار ما لها من سهم في الأدب وفي الشعر، إذا بها تمسك عن أي أثر شعري يذكرنا بذلك الماضي، فيسكت التاريخ عنها قرونا تتلوها قرون، حتى أظلتنا العصور الحديثة، ولا يكاد ابن حسين يصدق أن نجدا تلك التي كانت مسرحا لخير الشعر وأجوده، تمحل فلا نقع على شيء من شعرها، وتأبى نفسه «أن تسلم بموت الشعر في بلاد هي التي أنجبته وأرضعته»، غير أنه، مهما حاول، لم يقع على شيء يقاس إلى ذلك التاريخ الذي كان والشعر الذي كان، وربما حز في نفسه، رحمه الله، أن يعق أبناء الثقافة العربية تلك الأم الحانية التي أنجبتهم وأرضعتهم، فلم يشملها برهم، ولم تحطها رعايتهم، وأبناء هذه الثقافة العربية، مهما أفرطوا في العقوق والنكران، ليس لهم من ماضٍ إلا ما ورثوه من هذه الجزيرة العربية!
ويرجع الشيخ هذا الضعف إلى أسباب منها تأخر عصر التدوين، بعد ظهور الإسلام، إلى القرن الثاني الهجري؛ وأن المؤرخين لولا الحكومات ما عنوا بتسجيل أحداث التاريخ؛ وإلى افتقار نجد، في عصور الإسلام الأولى، إلى مؤرخين يسجلون تاريخها، كما حدث في غير ناحية من نواحي جزيرة العرب، ومنها المدينتان المقدستان، فغابت نجد عن التاريخ المدون إلى أوائل القرن الحادي عشر، حتى إذا كان القرن الثاني عشر أظلها تاريخ جديد، دونت كل أحداثه، وصار لها مؤرخون من أهلها، جرد الشيخ حمد الجاسر قلمه لتقييد شيء من آثارهم.
أهمل التاريخ نجدا قرونا طويلة، بل إنه يكاد يهمل مطارح كثيرة من الجزيرة العربية، ولولا أن مكة المكرمة والمدينة المنورة يقصدهما المسلمون للحج والعمرة والزيارة، لافتقرت هاتان المدينتان، ومن ورائهما مدن الحجاز وبلداته، إلى أثر مدون يجلو لنا طرفا من تاريخ هذه الناحية من بلاد العرب، غير أن التدوين الذي ضن على نجد اتسع للحجاز فلم يترك ناحية من نواحيه إلا ألم بها.
ولعلنا لا نكاد نظهر على كتاب يؤرخ لناحية من نواحي نجد، إلا ونقرأ فيه عبارة طالما تكررت في كتب القوم، فالتاريخ الذي كان ملعبه تلك المطارح في جاهلية العرب والصدر الأول من الإسلام، يبارح تلك الديار التي شهدت مولد العربية والشعر العربي، فلا يكاد يلمّ بها إلا قليلا قليلا، وحتى هذا القليل لا يكاد يشفي الغليل، ولا يبل الصدى، وبات المؤرخ وبات القارئ فرحين إذا وقعا على خبر هنا أو خبر هناك، عن هذه الأرض التي أهدت إلى كل من تكلم باللسان العربي خير الشعر وأجوده، وإذا بنا إزاء ظلم التاريخ لهذه الناحية من جزيرة العرب، نظهر على ألم مؤرخي نجد من أبنائها، في نغمة مرة، كلها عتاب لعقوق الثقافة العربية التي أعرضت عنها، حين تحولت الخلافة عن الجزيرة العربية، إلى العراق والشام، فغشتها طبقات من الظلام، لا نكاد نستبين منها شيئا.
وفي كتاب «الأدب الحديث في نجد» لمحمد بن سعد بن حسين كلام يرقى إلى أن يكون حنينا رومنطيقيا إلى نجد التي عقها التاريخ وبالغ في العقوق، وبينما نظهر في ماضيها على مقدار ما لها من سهم في الأدب وفي الشعر، إذا بها تمسك عن أي أثر شعري يذكرنا بذلك الماضي، فيسكت التاريخ عنها قرونا تتلوها قرون، حتى أظلتنا العصور الحديثة، ولا يكاد ابن حسين يصدق أن نجدا تلك التي كانت مسرحا لخير الشعر وأجوده، تمحل فلا نقع على شيء من شعرها، وتأبى نفسه «أن تسلم بموت الشعر في بلاد هي التي أنجبته وأرضعته»، غير أنه، مهما حاول، لم يقع على شيء يقاس إلى ذلك التاريخ الذي كان والشعر الذي كان، وربما حز في نفسه، رحمه الله، أن يعق أبناء الثقافة العربية تلك الأم الحانية التي أنجبتهم وأرضعتهم، فلم يشملها برهم، ولم تحطها رعايتهم، وأبناء هذه الثقافة العربية، مهما أفرطوا في العقوق والنكران، ليس لهم من ماضٍ إلا ما ورثوه من هذه الجزيرة العربية!