4 دلالات إيحائية في نص تحزموا
تفاعل
السبت / 20 / ربيع الثاني / 1437 هـ - 02:00 - السبت 30 يناير 2016 02:00
جاءت رائعة الفيصل الجديدة (تحزموا) كلوحة فنية مركزة في عشرة فلاشات ضوئية متتابعة تصور واقع الإعلام المضلل الذي قلب وجوه الحقائق وزور مجريات الأحداث بأساليب دعائية ادعائية موجهة نحو المجتمعات الخليجية في ظل التقليدية للإعلام الداخلي والتجاري، وتجاهله للأخطار المحيطة بالأمة، وتزويد أعدائها بأسباب هلاكها، كإغداق الأموال وتسليط الأضواء على أهل الانحلال والانحطاط، وتهميش أرباب العقول المنتجة المبدعة:
إلى متى ما غير نقرا الظلايم؟ * وإعلامنا يزود القوم بأسباب
لا تنثرون المال بين الهلايم * استثمروا في عقول قادة وكتّاب
ولن يتناول هذا التحليل الناحية الموضوعية، لكنه سيركز فقط على فنيات النص، فعلى عكس القصائد التي تتسم بالنبرة الخطابية والتقريرية تأتي هذه الأبيات العشرة في جمل مركزة مكثفة دلاليا بشحنات عاطفية متتالية معتمدة على الأساليب الإنشائية في مفتتح هذه الأبيات مبتدئا بالنداء الاستغاثي: يا أهل القلم والشأن... ثم الأمر الالتماسي:... ردوا التهايم.. ثم الاستفهام الإنكاري: إلى متى ما غير نقرا الظلايم... ثم النهي التوبيخي: لا تنثرون المال بين الهلايم... ثم الأمر الإرشادي: استثمروا في عقول... ثم النهي التحذيري: ولاتستهينوا بإدعاء الخصايم
والأساليب الإنشائية كما هو معروف في البلاغة العربية لافتة للانتباه موقظة للإحساس مستدرة للعواطف مثيرة للانفعال لا سيما إذا خرجت عن دلالاتها الحقيقية إلى معانٍ بلاغية كـ: الإنكار والتعجب، والتوبيخ، والتعظيم، والتحقير، والتشويق والإثارة... لينهي هذه الشحنة الانفعالية بالأمر الصريح في قوله: .(..تحزموا لقادم الوقت بحساب)، وهذه الكلمة (تحزموا) هي عمود النص الذي عليه بنيت القصيدة بكاملها، وتحمل عدة إشارات ذات دلالات إيحائية، منها:
ـ الدلالة السياسية في إشارة لاستخدام القوة الضاربة في عاصفة الحزم.
ـ الدلالة الاقتصادية في إشارة إلى سياسة ربط الحزام التي تعني التقشف وعدم المباهاة.
- الدلالة العسكرية في إشارة للتأهب والاستعداد للأمر قبل وقوعه.
- الدلالة الاستراتيجية في إشارة للتنبؤ بما قد يحمله المستقبل من مفاجآت.
وقد أجاد الشاعر في اختيار هذه المفردة مفتاحا لعنوان قصيدته، كما أجاد في تنويع المحسنات البديعية، وتوزيعها على فسيفساء النص، فنجد الإيضاح بعد الإبهام عندما افتتح النص بنداء (أهل القلم والشان) ليوضح المقصود بها في بيته الثالث بقوله: (قادة وكتاب)، كما نجد التضاد اللفظي بالجمع بين النقيضين في بيت واحد (الهلايم والقادة) جمع بين القاع والقمة. وكذلك الجمع بين (الأصحاب والخصايم) في بيتين متجاورين، ومثل هذه الألفاظ المتضادة تبرز المعاني واضحة جلية إلا أنه أحيانا يلجأ للكنايات الموحية، مثل قوله: (كاشر الناب) كناية عن: العدو المتبسم، وقوله: (قادم الوقت) كناية عن: المستقبل، وقوله (أخطر أيامها) كناية عن: المجهول، وقوله: (للي يرفع الرأس) كناية عن: العزة.
كما استخدم الطاقة الدلالية في الألفاظ المتجانسة، فجعلها في موضع ذات دلالة، وفي موضع آخر ذات دلالة أخرى، فكلمة (ولايم) الأولى: جمع وليمة وهي الطعام، وكلمة (ولايم) الثانية مكونة من حرف العطف الواو واسم الفاعل: (لايم) وهي مشتقة من اللوم.
كما أجاد في توظيف الرمزية في مستوييها البسيط والمركب، أما الرمزية البسيطة فتظهر في قوله: عدوانكم أستأجروا كل كذاب، في إشارة إلى الإعلام المأجور المروج للأكاذيب والأباطيل، وقوله: (إعلامنا يزود القوم بأسباب...) إشارة إلى المؤسسات الإعلامية الخليجية التي فتحت مساحة واسعة لبعض المأجورين لتمرير أفكارهم الهدامة.
أما الرمزية المركبة فتظهر في بعض المعاني الفلسفية في النص وحسن توظيفه للحكم والأمثال التي يطعم بها الشاعر ـ كعادته ـ نظراته للوقائع ومجريات الأحداث، مثل قوله: (ترى الكذب إذا لقي إذن جذاب...ونصدق التطمين من كاشر الناب... وترى المساء نذير فجر العظايم... ومن ضيع الفرصة دهنه الهزائم... ومن لا تجهز لأخطر أيامها خاب..)
وهي جمل تجري مجرى الأمثال، كما لا تخلو القصيدة من المفردات المعجمية ذات القاموس الدلالي الموغل في القدم والتي توحي بتفاقم الأمر وتجاوزه الحد المحتمل، كـ: الظلايم...الهلايم..الخرايط.. ولايم.. هايم.. الشور... كاشر.. حراب، منوعا في أوزان المصادر بين اسم الفاعل، وصيغ المبالغة: (فعال) وصيغ منتهى الجموع (فعايل)
ومن جماليات النص استخدام التورية الموهمة بمعانٍ متعددة، مما يفتح آفاق النص لتأويلات محتملة، مثل قوله: (تقاسمونا بالخرايط ولايم)، فهذا الشطر الشعري يحمل دلالات كثيرة ومرشحات لهذه الدلالات حسب تنوع ثقافة المتلقي، فـمفردة (الخرايط) تسحب الذهن للحيز المكاني والحدود الجغرافية، ومفردة (الولايم) تعني: الأطعمة، ومما يرشح المفردة لاستقبال هذه الدلالة كلمة (تقاسمونا) التي توحي بتقسيم أجزاء الوطن الواحد، وتفتيت عناصر الوحدة الخليجية، تمهيدا لابتلاع أغنى وأغلى الأراضي في العالم، كوجبة طعام دسمة.
والمعنى الدلالي الآخر لهذه التورية أن (الخرايط) يقصد بها الأكاذيب، و(تقاسمونا) أي: نشروا هذه الأباطيل وروجوها بين أهل الخليج حتى يسهل تشتيتهم وتقسيمهم، كولائم سريعة التحضير جاهزة للأكل.
ويظل المعنى محتفظا بالدلالتين السابقتين دون أن يفصح الشاعر عن أيهما يقصد، وهنا منتهى البلاغة التي أشار لها عبدالقاهر الجرجاني بقوله: (تراك أبين ما تكون إذا لم تبن، وأفصح ما تكون إذا لم تفصح).
* عضو هيئة تدريس بجامعة أم القرى
إلى متى ما غير نقرا الظلايم؟ * وإعلامنا يزود القوم بأسباب
لا تنثرون المال بين الهلايم * استثمروا في عقول قادة وكتّاب
ولن يتناول هذا التحليل الناحية الموضوعية، لكنه سيركز فقط على فنيات النص، فعلى عكس القصائد التي تتسم بالنبرة الخطابية والتقريرية تأتي هذه الأبيات العشرة في جمل مركزة مكثفة دلاليا بشحنات عاطفية متتالية معتمدة على الأساليب الإنشائية في مفتتح هذه الأبيات مبتدئا بالنداء الاستغاثي: يا أهل القلم والشأن... ثم الأمر الالتماسي:... ردوا التهايم.. ثم الاستفهام الإنكاري: إلى متى ما غير نقرا الظلايم... ثم النهي التوبيخي: لا تنثرون المال بين الهلايم... ثم الأمر الإرشادي: استثمروا في عقول... ثم النهي التحذيري: ولاتستهينوا بإدعاء الخصايم
والأساليب الإنشائية كما هو معروف في البلاغة العربية لافتة للانتباه موقظة للإحساس مستدرة للعواطف مثيرة للانفعال لا سيما إذا خرجت عن دلالاتها الحقيقية إلى معانٍ بلاغية كـ: الإنكار والتعجب، والتوبيخ، والتعظيم، والتحقير، والتشويق والإثارة... لينهي هذه الشحنة الانفعالية بالأمر الصريح في قوله: .(..تحزموا لقادم الوقت بحساب)، وهذه الكلمة (تحزموا) هي عمود النص الذي عليه بنيت القصيدة بكاملها، وتحمل عدة إشارات ذات دلالات إيحائية، منها:
ـ الدلالة السياسية في إشارة لاستخدام القوة الضاربة في عاصفة الحزم.
ـ الدلالة الاقتصادية في إشارة إلى سياسة ربط الحزام التي تعني التقشف وعدم المباهاة.
- الدلالة العسكرية في إشارة للتأهب والاستعداد للأمر قبل وقوعه.
- الدلالة الاستراتيجية في إشارة للتنبؤ بما قد يحمله المستقبل من مفاجآت.
وقد أجاد الشاعر في اختيار هذه المفردة مفتاحا لعنوان قصيدته، كما أجاد في تنويع المحسنات البديعية، وتوزيعها على فسيفساء النص، فنجد الإيضاح بعد الإبهام عندما افتتح النص بنداء (أهل القلم والشان) ليوضح المقصود بها في بيته الثالث بقوله: (قادة وكتاب)، كما نجد التضاد اللفظي بالجمع بين النقيضين في بيت واحد (الهلايم والقادة) جمع بين القاع والقمة. وكذلك الجمع بين (الأصحاب والخصايم) في بيتين متجاورين، ومثل هذه الألفاظ المتضادة تبرز المعاني واضحة جلية إلا أنه أحيانا يلجأ للكنايات الموحية، مثل قوله: (كاشر الناب) كناية عن: العدو المتبسم، وقوله: (قادم الوقت) كناية عن: المستقبل، وقوله (أخطر أيامها) كناية عن: المجهول، وقوله: (للي يرفع الرأس) كناية عن: العزة.
كما استخدم الطاقة الدلالية في الألفاظ المتجانسة، فجعلها في موضع ذات دلالة، وفي موضع آخر ذات دلالة أخرى، فكلمة (ولايم) الأولى: جمع وليمة وهي الطعام، وكلمة (ولايم) الثانية مكونة من حرف العطف الواو واسم الفاعل: (لايم) وهي مشتقة من اللوم.
كما أجاد في توظيف الرمزية في مستوييها البسيط والمركب، أما الرمزية البسيطة فتظهر في قوله: عدوانكم أستأجروا كل كذاب، في إشارة إلى الإعلام المأجور المروج للأكاذيب والأباطيل، وقوله: (إعلامنا يزود القوم بأسباب...) إشارة إلى المؤسسات الإعلامية الخليجية التي فتحت مساحة واسعة لبعض المأجورين لتمرير أفكارهم الهدامة.
أما الرمزية المركبة فتظهر في بعض المعاني الفلسفية في النص وحسن توظيفه للحكم والأمثال التي يطعم بها الشاعر ـ كعادته ـ نظراته للوقائع ومجريات الأحداث، مثل قوله: (ترى الكذب إذا لقي إذن جذاب...ونصدق التطمين من كاشر الناب... وترى المساء نذير فجر العظايم... ومن ضيع الفرصة دهنه الهزائم... ومن لا تجهز لأخطر أيامها خاب..)
وهي جمل تجري مجرى الأمثال، كما لا تخلو القصيدة من المفردات المعجمية ذات القاموس الدلالي الموغل في القدم والتي توحي بتفاقم الأمر وتجاوزه الحد المحتمل، كـ: الظلايم...الهلايم..الخرايط.. ولايم.. هايم.. الشور... كاشر.. حراب، منوعا في أوزان المصادر بين اسم الفاعل، وصيغ المبالغة: (فعال) وصيغ منتهى الجموع (فعايل)
ومن جماليات النص استخدام التورية الموهمة بمعانٍ متعددة، مما يفتح آفاق النص لتأويلات محتملة، مثل قوله: (تقاسمونا بالخرايط ولايم)، فهذا الشطر الشعري يحمل دلالات كثيرة ومرشحات لهذه الدلالات حسب تنوع ثقافة المتلقي، فـمفردة (الخرايط) تسحب الذهن للحيز المكاني والحدود الجغرافية، ومفردة (الولايم) تعني: الأطعمة، ومما يرشح المفردة لاستقبال هذه الدلالة كلمة (تقاسمونا) التي توحي بتقسيم أجزاء الوطن الواحد، وتفتيت عناصر الوحدة الخليجية، تمهيدا لابتلاع أغنى وأغلى الأراضي في العالم، كوجبة طعام دسمة.
والمعنى الدلالي الآخر لهذه التورية أن (الخرايط) يقصد بها الأكاذيب، و(تقاسمونا) أي: نشروا هذه الأباطيل وروجوها بين أهل الخليج حتى يسهل تشتيتهم وتقسيمهم، كولائم سريعة التحضير جاهزة للأكل.
ويظل المعنى محتفظا بالدلالتين السابقتين دون أن يفصح الشاعر عن أيهما يقصد، وهنا منتهى البلاغة التي أشار لها عبدالقاهر الجرجاني بقوله: (تراك أبين ما تكون إذا لم تبن، وأفصح ما تكون إذا لم تفصح).
* عضو هيئة تدريس بجامعة أم القرى