الرأي

درجات الأحلام والطموح

u0634u0627u0647u0631 u0627u0644u0646u0647u0627u0631u064a
يفتح الإنسان عينيه في الصباح، ويرفعهما للسماء، متأملا أن ينال فرصة تحقيق حلمه. وما هو الإنسان بدون حلم؟ سؤال قديم يتجدد، ويفسح المجال لمن أراد أن يتفلسف بتأطير، أو تقسيم، أو شرح؛ وفي المقابل فهو هدف لمن أراد أن يقضي على حلم بشر آخرين بمجرد ترديد كلمات صلبة أحادية يكومها أمامهم ليزيد من وعورة سبيلهم.

ولو لا الحلم لأصبحت حياة البشر شبيهة بحياة النباتات الساكنة المحدودة، يتنفس، يتغذى، يتأقلم مع المناخ، ويثمر؛ ولا يحلم بما هو أبعد من ذلك.

النبات لا يحلم بالمشي، ولا الطيران، ولا بالتعلم، ولا بصنع آلة أو بناء بيت، ولا باكتشاف عجائب الكون الفسيح من حوله.

أما البشر فإنهم يتميزون بالقدرة على صنع الحلم من عدم، ولديهم القدرة المحدودة بآفاقهم، والتي يحاولون جعلها أعلى وأكبر وأوسع محتضنين الأمل.

والأحلام قد تكون بسيطة جدا، بل وأبسط مما يتخيله العقل، وبحسب ظروف الحالم وطموحه.

المعاق الحركي يتمنى أن يحرك طرفا من أطرافه، أو أن يتزحزح شبرا عن مكانه، والسجين يتجسد حلمه بالخروج من زنزانته، ولو كان البديل المجهول أسوأ؛ والجائع يحلم بلقمة تشبع، والعطشان بقطرة تروي، والجاهل يكون حلمه مشرنقا وسط صلابة صدفة معارف لا يتمكن من كسرها.

ولكن هل نسمي تلك الأماني أحلاما، وهي مجرد ضغوط وإلحاح وهروب، ونتيجة نظرة قاصرة تحكمها الظروف، والضيق الوقتي، وفقد الحرية؟ أم إنها تتدنى عن مستوى الحلم، وتدخل في ضيق دوائر الحاجة، والتمرد على معاني وقيود الفقد؟

الحلم الإنساني الحقيقي لا يجب أن يتم تحت ضغوط وقتية، فعندما يفكر أحدهم بالهجرة من بلده، فإن حلمه يعتمد على ظروفه الخاصة، فقد يكون هاربا من إرهاصات وكبت ومعاناة يعيشها في بلده، وعندها فسيرضى في المقابل، بأي أرض تحتضنه، مهما بلغت معاناته المحتملة فيها، حيث إنه بفكره المخنوق سيرضى بأقل القليل المختلف عن ظروفه التعيسة الآنية.

ولكن لو كان المهاجر مفكرا يريد أن يجد لنبوغه رعاية علمية من مؤسسات تنويرية لا تتوافر له في بلاده، فلا شك بأنه سيتردد ويستعلم، ويرفض الكثير من عروض الهجرة، قبل أن يتأكد بأن فكره وإبداعه سيكونان هناك في الحالة الأفضل من الحلول المتوفرة.

الحلم هنا عبارة عن طموح حقيقي، وليس مجرد هروب من ظرف قاس، والنتيجة في أغلب الأوقات تكون عظيمة وذات وضوح وثبات، وربما تكسر الحدود والمدارات.

يقول آينشتاين: يدفعك الأسى إلى الوراء، ويبقيك القلق مكانك، وينطلق بك الطموح إلى الأمام.

ويقول مايكل نولان: لا تفكر بالأحلام التي تناسب قدراتك، فكر بالمقلوب؛ فكر بالقدرات التي تناسب أحلامك.

لنتعلم كيف نحلم، وليكن بأحلامنا الكثير من الطموح، وشيء من الجنون، ولنخرجها من قوقعة الظروف الآنية المحبطة، لنقفز معها فوق الحواجز إلى مناطق السعادة والحرية.

علموا أبناءكم كيف يحلمون، لا تحددوا نهايات طموحهم بحسب مقاييس قدرتكم على الرؤية، وما يدريكم، فلربما تمكنوا من الوصول إلى ما هو أبعد بكثير من مجال رؤيتكم، بتحقق أحلامهم.

كونوا لهم مستشارين، دون حدود، ودون قيود، ولا تحاولوا إعطاءهم الحلم الجاهز الذي فشلتم أنتم في تحقيقه.

shaher.a@makkahnp.com