الرأي

الإرهابي ووالده

تفاعل

يفجر ابنه مسجدا.. يمزق أشلاء العشرات.. تتطاير بقايا الأعضاء أمتارا.. تحط على أسطح منازل مجاورة..

يصوب ابنه سلاحه نحو قلب رجل أمن، يؤدي عمله في جو شديد الحرارة والرطوبة.. أو قارس الجفاف والبرودة.. تتدفق الدماء القانية أنهارا.. يجف القلب الفتي.. يتوقف عن الخفقان.. وينفصل الجسد عن روح الحياة..

يفتت ابنه أكباد عشرات الأمهات.. الزوجات.. الأبناء والبنات.. تتقرح جفونهن.. تذوي وجوههن.. وتبيض شعورهن.

وبعد كل هذا وذاك يقول.. فاجأني ما فعله.. لم أعلم عن نيته شيئا.. لم ألحظ عليه ما يريب.. لست مسؤولا عن فعله ولا موافقا عليه..

بئس تبرير يراد به استغفالنا.. يراد به التبرؤ من شناعة الفعل.. من بشاعة دماء صبغت جدران المساجد واسفلت الطريق..

نعم.. أنت لم تطلب منه بصيغة الأمر المباشر أن يلف حول خصره حزاما ناسفا.. نعم أنت لم تزوده بخزان الرصاص الذي تزنر به.. نعم أنت لم تقد به السيارة إلى مسرح جريمته.

ولكنك مجرم بقدر ما هو مجرم تماما.. أنت مذنب بقدر ما هو مذنب تماما.. مسؤول بقدر ما هو مسؤول تماما..

ربيته وأنبته في بيئة مليئة بالتطرف.. بكراهية الآخر الذي قلت عنه إنه متخلف، مختلف، آثم وكافر.. صببت في أذنيه كلمات تنضح سوادا وسما عن هذا الآخر.. جعلته في ناظري ابنك كالشيطان إلا قليلا.. لم تترك يوما ولا مناسبة أو حتى بدون مناسبة، إلا مررت على ذكر جماعات وأفراد يحملون ذات جنسيتك، يسعون على رزق عيالهم كما تفعل، لتصورهم وحوشا، يتحينون الفرصة لافتراسك وهتك عرضك ونهب مالك.. جعلته يشعر أن وجودهم خطر وشر لا بد من محوه..

الفرق فحسب أنك لم تذكر لابنك طريقة محوهم.. جهزت المقادير كاملة.. فأصبح ابنك مستعدا لكل من امتلك تلك الطريقة.. جاهزا تماما لينفذ ما ظن أنه تحقيق لعدالة الله على الأرض.. وهو ذاته ما أقنعته به الجماعات المتطرفة التي جندته لخدمة أهدافها في نشر الفوضى وزعزعة الأمن وإشعال الفتنة؛ ليكون الطريق معبدا أمامها لتحقيق أهدافها السياسية، والسياسية فقط.

ولولاك أنت أيها الأب المتنصل من مسؤوليته.. المتبرئ من ابنه.. المجرم بحقه.. لما تمكن أحد من استدراجه وخداعه.. لما تمكن أحد من تحويله لبندقية في خاصرة الوطن وعينيه وقلبه.

ابنك الإرهابي ربما تبخر منتحرا ورحل.. لا يمكن سجنه.. أو إعدامه ليخفف وجع الأرامل والثكالى.. ولكن ألا تظن أن سجنك أنت ربما يؤدي هذا الغرض؟!