الرأي

الإعلام الجديد.. مزيدا من اللعنات

كشفت وسائل «التواصل الاجتماعي» أو ما يسمى «الإعلام الجديد» الكثير من المستور في حياة الشعوب، ونقلت الواقع اليومي المعيش لكثير من طبقات المجتمع دون استثناء، سواء أكان ذلك اختيارا وفقا لإرادتهم ورغبتهم، أو قسرا من اختلاس وتحين الفرصة لتصوير الواقع اليومي دون علم ومعرفة منهم.

انقسم الناس إلى فريقين في استخدامها: فريق استفاد كثيرا من هذه الوسائل لتطوير نفسه وتسويقها بشكل جيد، وقادت البعض، وهم قليل، إلى الثراء والشهرة، وفريق استغلها بصورة مقيتة وسيئة، أساء من خلالها إلى نفسه ومجتمعه وقيمه، وأصبح مادة للتندر اليومي، وهم أكثرية يبحثون عن الشهرة بأي ثمن، لعل أن يصبح هو أو أبناؤه من المشاهير الذين تتهافت عليهم وسائل الإعلام، مع أن ما يقدمه لا يخرج عن القول الشهير «أحشفا وسوء كيلة»، ويكفيك أن تتابع بعض وسائل الإعلام الجديد وتخرج بتلك النتيجة بلا مواربة.

والحديث عن وسائل التواصل الاجتماعي وما أفرزته من ظواهر سلبية وفوضى غير أخلاقية يطول ويطول، ففي الأسبوع الماضي وفر علي أحد الأصدقاء عناء البحث، وتكفل بإرسال جملة من الصور الثابتة والمتحركة التي يتداولها الناس في «تويتر» و«سناب شات» و«انستقرام» وغيرها، فكل صورة أو مقطع أسوأ من الآخر، أو لا يقل فظاظة وسوءا عن سابقيه.

هذا الاستخدام السلبي لوسائل الإعلام أفرز كثيرا من اللعنات، منها على سبيل المثال، لعنة «الهياط الاجتماعي»، صحيح أن هذه الظاهرة موجودة قبل ظهور وسائل الإعلام الجديد، وكان يمارسها الكبير والصغير والفقير والغفير، لكن لم يكن هناك من يوثقها وينقلها على سبيل المفاخرة، وكانت أقل حدة منها في الوقت الراهن، لكنها حاليا وصلت إلى حالة مرضية مزمنة، وقادت إلى شيوع ظاهرة جديدة يمكن تسميتها «التنافس في الهياط الاجتماعي»، فما يفعله قلة من المجتمع تتكفل مجموعة أخرى بتوثيقه ونشره عبر هذه الوسائل تحت عناوين براقة وألقاب وأسماء مختلفة ليعزز التنافس غير الشريف في التبذير والإسراف في النعم، لتجلب لنا لعنة التنافس في تبذير النعم، ليطالها كثير من النقد الاجتماعي من قبل كل شرائح المجتمع، وتتدخل جهات رسمية للحد ومحاسبة وردع بعض «المهايطين» الباحثين عن الشهرة.

والمشكلة أن هذا الاستخدام السيئ لوسائل الإعلام الجديد يقتصر على نشر الهياط الاجتماعي فقط، بل إعادة نشر العصبية والعنصرية وتعزيزهما بصورة مقيتة وهي نتاج لشيوع التنافس في «الهياط الاجتماعي»، وهي لعنة أخرى قد يطول شرها الجميع، بعد أن أصبحت منصة للشتم وتبادل الاتهام من كل طبقات المجتمع دون استثناء. هذا الردح العنصري البغيض عم بلاؤه حتى ما يمكن أن نسميهم النخب الثقافية والأكاديمية الإدارية، وكشف الجانب الخفي من شخصيات من يسمون «نخبة المجتمع» تمثل في اتهامات متبادلة وقائمة من الشتائم التي تحفل بكل ما هو رخيص من المفردات، وألقاب وتسميات «أرخص»، بصورة عكست «قبحا» أخلاقيا خفيا.

اللعنات التي أفرزها الإعلام الجديد على سلوكياتنا الاجتماعية كثيرة ومتعددة، والهياط الاجتماعي والعصبية والعنصرية يمكن تصنيفها بأنها لعنات سلبية، لأنها شوهت صورة المجتمع، وقدمته في صور لا تتناسب مع الواقع المعيش للمجتمع المتسامح، ويمكن اعتبارها نعما لأنها كشفت واقع المجتمع وقدمته في صورته الحقيقية بدون مكياج أو نفاق اجتماعي.

هناك نوع فاخر من اللعنات - إن جاز لنا تسميتها لعنة - طالت كثيرا من الجهات الحكومية، إذ تسابق عاشقو الإعلام الجديد إلى تصوير الخلل والعيوب في أداء تلك الجهات ومسؤوليها، ونشرها ليتداولها أكبر عدد من المغردين والمتابعين لتضع المسؤول في حرج، فالتوثيق بالصوت والصورة حد كثيرا من بيانات النفي والتكذيب التي كانت تصدرها الجهات الحكومية في السابق، فالمسؤول الفاسد يرى أن هذه الوسائل لعنة، ويصفها المواطن بالنعمة، لأنها ساعدت في محاربة الفساد والمفسدين.

أخلص إلى القول إن الإعلام الجديد سيكشف مزيدا من اللعنات والفوضى غير الأخلاقية في المستقبل، وما يكون لعنة لجهة ما أو مؤسسة معينة أو مسؤول ما، قد يكون نعمة لأخرى، والمهم هنا هو كيف يمكن تحويل هذه اللعنات إلى نعم أو الحد منها لحماية المجتمع ودعم تماسكه.

alofi.m@makkahnp.com