الرأي

يا هيئة مكافحة التسول.. أنقذوهم وارحمونا!

تفاعل

وقفت في إحدى محطات الوقود، أزعجني منظر فتاة صغيرة تستعطف المارة وتستجديهم، وما أغضبني أكثر أن أمها كانت تقف عند طرف المحطة كأنها تراقب أداء عملها!

لست ممن ينهر السائل، لكنني أحارب ظاهرة التسول عندما تتسع دائرتها وتصبح مهنة للأطفال، هل هكذا تربون أبناءكم؟ وهل كان الفقر عيبا أو نقيصة؟

العيب كل العيب أن تستجدي الناس وتسألهم فيعطوك أو يمنعوك، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم «لئن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه»؟

بسرعة دارت هذه الأفكار برأسي، وعندما خرجت من المحطة طرأ على بالي أن أكتب هذه المقالة، فباغتني سؤال خطير مكثت ليالي وأياما كي أجد إجابته: هل الفقر من سنن الحياة الثابتة؟ فأجابني أحد الفضلاء بأن الفقر حال من الأحوال قد يتغير مع شروق الشمس وغروبها.

نعم أيها القراء الأعزاء، فكم رأينا فقيرا بالأمس أضحى اليوم في أرصدته مئات الألوف، وكم من غني جار الزمان عليه فأصبح من الذين يأكلون رغيف البارحة، المتبقي من قوته لأسبوع.

والله سبحانه وتعالى يختبر بعض عباده بالفقر لحكمة، ربما تمحيصا للذنوب، أو رفعة في الدرجات، لكن أن يلجأ الفقير إلى التسول فهو سلوك دنيء فيه استنقاص للكرامة، فما بالك بالذي يورث هذه المهنة الممتهنة لأولاده وبناته!

وفي هذه الظروف الصعبة تجدهم قد تكاثروا وانتشروا في كل مكان، فلا تكاد تدخل محطة محروقات، أو تقف عند إشارة مرورية إلا وتجد منهم ما لا يقل عن ثلاثة. وما يدمي القلب أن تكون منهم طفلة جميلة بريئة تعلمت في صباها سؤال الناس، لماذا تشوهون صورة الحياة البهيجة في عيني هذه الطفلة الصغيرة وترسخون في ذهنها القتامة والسواد وظلم الحياة؟

عندما تكبر هذه الطفلة كيف سيكون شأنها وموقعها ومكانتها، حتى لو تبدل حالها من الفقر المدقع إلى الغنى والراحة؟ فهل ستنسى ذكريات تلك الطفولة التي تربت عليها.. طلب الناس واستعطافهم؟ رأت الذي ينهاها، والذي يزجرها، والذي حاول اختطافها. هل تنسى الخوف والرعب والازدراء الذي لاحقها طيلة تلك السنين العجاف من زهرة طفولتها؟

فيا هيئة مكافحة التسول! قبل أن تعاقبوهم أنقذوهم. امحوا تلك الصورة المشوهة التي رسخت في ذاكرتهم منذ الطفولة، وعوهم وثقفوهم وأهلوهم لعيش حياة كريمة، واجعلوا العقوبة هي آخر العلاج لهذه الظاهرة.