الرأي

المرأة حدث الوعي الأبرز

لم يكن حدثا أن توصف المرأة بأنها «هم» و»عار» من أحد الوعاظ، بل كان الحدث ردة الفعل العنيفة ضد الواعظ الذي وصف المرأة بذلك، وذلك لأن الثقافة الذكورية المهيمنة ما تزال تطفح بالتحيز ضد المرأة، وتمارس الإساءة لجنسها، والانتقاص من إنسانيتها، وما تزال تستعيد أو تختلق من التأويلات الدينية في هذا الصدد، ما برئ الدين الحنيف منه، ومن التصورات العقلية ما يظلم العقل ويحيله إلى أوهام. وهي ثقافة تعادي المرأة عمليا في شكل الأنظمة والإجراءات والممارسات التي تعاملها كقاصر، أو شخص لا يؤتمن، أو شيء معيب، أو مخلوق لا غرض لخلقه إلا متعة الرجل وخدمته، مثلما تعاديها لفظيا بترسانة صريحة من الأوصاف المهينة لعقلها وأخلاقها، والتحذيرات منها. والنتيجة ـ بالطبع- صورة مهينة للمرأة ومتضخمة الإهانة لها، ليس في ذهن الرجل وحده، بل وفي ذهن المرأة نفسها عن نفسها، ولهذا لم يكن وصف الواعظ للمرأة بأنها هم وعار جديدا على مألوف الثقافة، ولا يحمل من الإساءة للمرأة أقسى وأعنف من التشبيهات والأوصاف والأحكام والممارسات الشائعة ضدها، وهذا هو معنى النفي لصفة الحدث عما قاله الواعظ. الحدث حقا هو ردة الفعل ضد ما قاله الواعظ، فهو نقيض الاستسلام لمألوف الثقافة، وهو نقيض خارق للمألوف بأكثر من معنى، فلم يقتصر على المرأة، وهي وجهة الإهانة وموضوعها، أو على الشباب وهم الأقرب إلى مقاومة التقاليد المتحجرة، بل كان عديد الرجال إلى جانب النساء، وكان الشباب وكان الشيوخ. ولم يقتصر على من اعتدنا سماع أصواتهم في نقد الثقافة التقليدية والدفاع عن المرأة من فئة الناشطين النسويين إناثا وذكورا، ولا على الحقوقيين أو الأدباء والمثقفين؛ فقد استثارت الإهانة الموجهة للمرأة علماء دين بحجم الشيخ عبدالله بن منيع، عضو هيئة كبار العلماء ـ مثلا - الذي شن هجوما على الواعظ، قائلا «القائل بذلك هو العار نفسه». وكانت ردة الفعل تتسع بموضوع الإهانة وتتسع بالحجاج ضده، فهي تقرر خطأ الواعظ، وتنكر أن تكون المرأة عارا، وتدين إهانتها، وتصنف وصف الواعظ للمرأة في حيز العنصرية ضدها والعدوان عليها. وهي ـ إلى ذلك - تجاوز موضوع الاختلاف مع الواعظ إلى الحديث عن سيرته، وتنال من شخصه وأمانته حينا، وتقترف – مع الأسف - الشتيمة أحيانا نحوه، وكثيرا ما جاوزته بوصفه فردا إلى الهجوم على الثقافة الذكورية والمجتمعية. هذا الحدث، كما يتمثل في ردة الفعل تجاه إهانة الواعظ للمرأة، أخذ في تأكيد ذاته بوصفه حدثا، حين عاد الواعظ نفسه، نتيجة المواجهة له، لينكر قصده إهانة المرأة واحتقارها، ويوجه مدلول العار في كلامه باتجاه الإعلاء لها، فهو لم يرد – فيما عقب - دلالة العار على العيب والمنقصة والفضيحة، وإنما أراد الدلالة على «الشرف». وهذا يعني أنه لم يعد في موقف الانتقاص للمرأة وتحقيرها، أو الموافقة على ذلك والرضى به، صوت مرتفع أو يمكن تبينه علانية. أما دلالة هذا الحدث فيمكن حسابها من جهة تقدم الوعي، واتساع دائرة الاستنارة تجاه المعنى الإنساني إجمالا ومعنى المرأة خاصة، وهناك عوامل عديدة خلقت هذا الوعي، وتضافرت على اتساع دائرته، لكن العامل الأبرز – فيما أرى - يعود إلى وعي المرأة نفسها؛ فهي الآن أكثر من يفرض الوعي بحقوقها، وعلينا أن نتحسب لهذا الوعي الذي يعول عليه في رقي المجتمع وازدياد درجة تهذيبه وإنسانيته. إن المرأة هي الحدث الأبرز في وعينا المحلي.