الرأي

الحارثي.. والحركة الثقافية المكية المعاصرة

مكيون

يزداد تألق نادي مكة الثقافي الأدبي اجتماعيا وثقافيا يوما بعد يوم بما يقدمه لمرتاديه من أطروحات فكرية وثقافية وأدبية ثرية، وبما يستقطبه من شخصيات فاعلة ومؤثرة في المشهد الثقافي الأدبي والفكري المكي.

وفي أمسيته الأخيرة الأحد 07/‏04/‏1437 استضاف النادي قامة مكية (استثنائية) استطاعت أن ترسم ملامح الثقافة المكية بغزارة الإنتاج الأدبي والنقدي، إنه سعادة الأستاذ الدكتور محمد بن مريسي الحارثي، أستاذ النقد الأدبي في قسم الدراسات العليا بجامعة أم القرى، وهو سيرة أدبية نقدية وعلمية تبهرك بإنتاجها الذي شمل أكثر من ستة وأربعين بحثا أدبيا وعلميا، والعديد من الكتب المطبوعة والمخطوطات النقدية والأدبية.

وقد سعدت كعضو في اللجنة الثقافية الأدبية في النادي بالمشاركة في تنظيم وإدارة اللقاء: (الحركة الثقافية المكية المعاصرة) التي قدمها الناقد المكي، والتي سرقنا فيها الزمن وأخذنا إلى آفاق رحبة من الأطروحات والرؤى والأفكار، والتي يمكن إيجازها في ما يلي:

ثقافة المسجد الحرام وأثر تمدد المنطقة المركزية في بطن مكة المكرمة، والدروس والخطب التي تقدم في المسجد الحرام ودورها في إثراء الحركة الثقافية المكية، منذ الأزل وحتى يومنا هذا.

كما تحدث عن دور رابطة العالم الإسلامي في تجديد الخطاب الديني لتنبيه الناس عما غفلوا عنه، ودور جامعة أم القرى في إعداد الكوادر البشرية وعلماء الأمة، وكذلك أثر ثقافة الحج على الإسلام والمسلمين، وما تسهم به لجنة الحج العليا ولجنة الحج المركزية في تطوير الخدمات المقدمة لحجاج بيت الله الحرام.

كما تناول دور المؤسسات الثقافية في مكة، وأشاد بدور نادي مكة الثقافي الأدبي ومنتدى باشراحيل الثقافي، ورواق بكة النسائي، لما تقدمه من أطروحات أثرت في المشهد الثقافي الأدبي في مكة المكرمة بروافد متعددة.

كما عرج على المسرح السعودي في مكة، والذي بدأه الأستاذ أحمد السباعي -رحمه الله تعالى -، وللأسف لم ير النور لمشكلة إدخال العنصر النسائي، والتي ما زالت بين أخذ ورد، مع أنه أحد ضروريات الثقافة في الأمم المتحضرة.. كما تحدث عن نادي الوحدة ودوره الثقافي المعاصر، وكيف كان يلتقي به رجالات مكة أمثال أحمد جمال، وحسين عرب، وإبراهيم فوده.. وغيرهم.

كما أكد أن منتدى صالح باشراحيل يعد أحد أهم روافد الثقافة المكية المعاصرة، والذي أسس جائزة تصل إلى (150 ألف دولار)، واستكتب مجموعة من الكتاب ووضع ذلك في مجلد أسماه (مكة الجلال والجمال في الأدب السعودي)، كما تطرق إلى منتدى عبدالعزيز الرفاعي الذي أصّل للثقافة المكية ببعدها الشرعي الإسلامي، والبعد اللغوي، والبعد الوطني والإنساني.

كما أشاد بدور المرأة وأنها الشريك الفاعل في التنمية الوطنية، وأن المجتمع لا يستطيع تحقيق النهضة الشاملة وهو يسير أعرج.

وكعادة النادي، فقد فسح المجال للمداخلات بين القاعتين الرجالية والنسائية.. وكانت المشاركات والأطروحات قيمة.. وبحجم المحتوى الذي قدم.. لولا وجود أحد الأصوات النشاز التي هاجمت فكرة المسرح، ومن قام بطرحها عملياً في مكة.. وهو الذي كرمته الدولة بجائزة تقديرية - هذا بدلاً من الترحم عليه، وعلى ما قدمه للأدب السعودي، وللثقافة في مكة المكرمة - وأظن أن التطاول على الرموز من الصغار هو من باب التسلق على الأكتاف وحب الشهرة.

وهؤلاء القلة ممن يهاجم المسرح ما زالوا يغردون خارج السرب في محاربة أحد أهم مكونات الثقافة الفاعلة، والتي تقدم حلولاً جذرية للكثير من المشكلات الاجتماعية والثقافية الراهنة، وهو الذي لو قدم بضوابط لاستطاع استقطاب الجمهور بتسلية وثقافة منضبطة وحلول لمشكلات متنوعة، بدلا عما تقدمه الفضائيات من غث وعهر وفساد.

وليس إدخال المسرح يعني التبرج والسفور للمرأة.. فمن الممكن وضع أنظمة دقيقة.. كما يمكن إيجاد مواهب إبداعية أمثال: (أم حديجان) الذي مثلّ دور المرأة عبر حقبة تاريخية فكرية وثقافية، وعلاج لمشكلات اجتماعية في وطننا الغالي، فليس في هذا أي حرمانية في التشبه -لأن الغاية تبرر الوسيلة - فالمسرح أحد أهم أدوات الثقافة لأنه يختزل الكثير من الهموم، ويعالج قضايا الإنسان والمجتمع والسلبيات المتفشية بأساليب متنوعة وغير مباشرة..

حقيقة زاد إعجابي بالقامة المكية الأستاذ الدكتور محمد المريسي الحارثي -من خلال هذه المحاضرة -أضعاف ما كنت مشدوهة بعلمه وثقافته.. فقد أضفى بتواضعه ميزة أخرى على شخصيته حينما قال: «جامعة أم القرى تخرج المهنيين أمثالي..»، فإذا كان هو مهني.. فمن هو العالم؟!