الرأي

نزاهة.. كشف وإحالة والسلام!

بعد (كشف) نزاهة عن جامعة سعودية دفعت مليوني دولار لرفع تصنيفها العالمي، ذكرتُ الكثير من الكشوفات والكشفيات خلال العقد الماضي، من (سيارة غزال) التي انقرضت قبل أن تُخلق، إلى أموال الكراسي العلمية التي يُعلن عنها، ومن ثم (يُكتشف) أنها اختفت، وليس أخيراً الجامعة الراشية، هذا فقط فيما يخص الجامعات..

وقد كنت أعتقد أن نزاهة تتابع ما ينشر في الصحف عن الفساد وتبادر بملاحقته، لكن «اكتشفت» بأن نزاهة اكتفت بأن تمرر (هي) أخبار الفساد للصحافة، والسلام!

بهذا ذهبت لـ(قوقل) أبحث من خلال جملة (نزاهة تكشف)، لتأتي (حوالي 454٬000 من النتائج) .. (تكشف) عن فساد، وليس عن شبهة، ولا أُبالغ إن قلت إن نزاهة تكشف حالة فساد كل شهر على الأقل في كل جهة حكومية!

وكنتُ أظن أن «نزاهة» معنية بمكافحة الفساد، ولم أكن أعلم أنها معنية فقط بالكشف، فلو أخذنا على سبيل المثال تقريرها للعام المالي 1433-1434، نجد أنها أحالت 64 قضية لوزير الصحة، و95 لوزارة الشؤون البلدية والقروية، و58 قضية لوزير التربية والتعليم، و30 قضية لوزير المياه والكهرباء، كما تمت إحالة 23 قضية لوزير النقل، و12 قضية لوزير الداخلية والجهات التابعة للوزارة، و6 قضايا لوزير التعليم العالي ومديري الجامعات، ومثلها لوزير المالية والجهات التابعة للوزارة، كما تمت إحالة 4 قضايا لوزير الشؤون الإسلامية، ومثلها لوزير العمل والجهات التابعة للوزارة، في حين تمت إحالة قضية واحدة لكل من وزير الزراعة ووزير الشؤون الاجتماعية، بالإضافة إلى 8 قضايا تم إحالتها إلى جهات أخرى..

الغريب أن نزاهة (تكشف) دائما أن هذه الجهات لا تتعاون معها، ولا أكشف سرا بأن هذا من الأشياء الكثيرة التي أعترف بجهلي بها، أقصد أن تكتشف فسادا في جهة أو شخص ثم تخاطبه وتريد منه أن يتجاوب معك بإثبات التهمة، وأن يرفق كامل المستندات التي تدينه ويعيد لك كشف فساده!

أما الكشف والإحالة فيستطيع القيام بهما صحفي واحد لديه الحد الأدنى من الحاسةّ الصحفية والمهنية، كما أن الكشف والإحالة هما الخطوة الأولى نحو المكافحة، ولا أعرف مبررا منطقيا أو حتى غير منطقي - للعودة إلى الوراء /‏ للجهة التي كُشف الفساد لها، هل كانت الهيئة تعتقد أن الجهة الفاسدة ستأخذ إدانتها وتذهب بنفسها لهيئة الادعاء طالبة معاقبتها؟

المشكلة أن هذه الخطوة لها انعكاس سيئ حتى على المواطن/‏ الموظف النزيه، فكيف يبادر لإبلاغ الهيئة وهو يعلم أن كل ما سيحصل بعد التأكد من الفساد هو إحالة القضية لذات الجهة التي كالعادة لن تتجاوب؟

فعلى الأقل تبادر الهيئة بكشف أسماء للأشخاص والهيئات الفاسدة، وقتها سيضطر من اتُّهم بالفساد أن يدافع عن نفسه، أو على الأقل يعرف الناس أنه فاسد، وليت الهيئة تستفيد ليس من لياقة وزارة التجارة، إنما بمثيلاتها من الهيئات، وأظن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن تمانع من إقامة دورات لنزاهة ليستفيدوا من حاستها السادسة في تتبع الفاسد حتى قبل أن يمارس فساده!

fheed.a@makkahnp.com