الرأي

أفكار غرب وعادات شرق

تفاعل

قضيتي مع آدم أزلية، فمنذ تعرفت على نفسي وأني وِفقا لبعض الصفات الشكلية أصنف تحت جنس يعرف بـالأنثى انتابني الفضول عن الجنس الآخر لا سيما أنهم يشبهوننا كثيرا! لديهم أرجل وأعين مثلنا، لديهم رؤوس وأيد .. لديهم كل شيء عدا بعض الفروقات كالشعر المنتشر في وجوههم والشعر الطويل الذي يزيننا، وبنيتهم الكبيرة بالمقارنة معنا.. إذن هذا كل شيء، الشعر والبنية وماعدا ذلك فنحن سواء.. هذا ما توصلت إليه بعقل طفلة تبني استنتاجاتها على ما تراه من حقائق.

لكن للأسف الحقائق لا تكون كما نراها أحيانا، بل إن الحقيقة ليست بالضرورة واقعا، كما أن الواقع قد لا يعكس الحقيقة..

ففي بلدي وصِفت الأنثى بمسميات وصفات أخرى جردتها من كل شيء قد يمت لها بصلة .. فمن أشهر أسمائنا حرمة، البيت، الأهل، العيال ويا ولد!!! أما أشهر صفاتنا «عار» ..

ترى ما هي المقومات الأخرى التي يمتلكها الذكور دوننا؟ ماهي المميزات التي تجعل منهم ذوي نفوذ أو أصحاب قرار فيما يتعلق بشأن الأنثى؟ لعلّي أخبرت نفسي حينها أنهم ربما يمتلكون شيئا آخر لا نمتلكه.

نحن ضعيفات ونحتاج إلى سند كما قالت إحدى النساء في صالة الضيوف بعد أن خللت أسنانها من لحم الجارة التي تزوجت للمرة الثالثة لتصبح حديث الحيّ آنذاك، رغم أنّي لم أفهم من وما هو «سند» إلا أني وجدت جوابا لسؤالي على الأقل ... حينها على الأقل.

أخبرت أمي أني أريد «سندا» أنا أيضا، فهو ضرورة كما يبدو للضعيفات.. أو بافتراض أني كنت ضعيفة يوما ما يعني!

ضحكت أمي ثم حملتني لتضعني في حجرها وضمتني قائلة لي أنتِ سندي وأنا سندك .. ألا بأس في ذلك؟ نظرت لوجهها وأومأت برأسي إيجابا مع ابتسامة تخلو من أحد أسناني الأمامية.

حصلت على سند أنا أيضا، ومن هنا استنتجت أن الـ«سند» قد يكون أمّا أيضا، أي أنثى!

فعدت إلى دائرة الحيرة مجددا .. ما الذي يميز أصحاب البنية الضخمة والشعر الكثيف عدا بنيتهم وشعر وجوههم؟

ثم وجدت الجواب في أول درس من مادة النصوص: «أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلغت اللهم فاشهد.»

كان هذا جزءا من نص بعنوان «خطبة الوداع» في حجة الوداع للرسول صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة للهجرة.

أسهبت معلمتي في هذا الجزء من النص بالقدر الذي يروي ظمئي للإجابة.. إذن هذا هو المنهج: جميعنا سواء رغم اختلاف البنية والشعر والعِرق وأن التقوى هي مناط التفاضل والتكريم.

«إلا بالتقوى» لم تفارق لساني منذ ذلك اليوم فصارت ردي القوي على كل عبارات التفرقة بين الجنسين.. تخلصت من هاجس «أنتِ بنت وهو ولد» أو ظننت أني كذلك.. وما إن خرجت من دائرة تساؤلاتي حتى عدت لها بعد أول جدال مع أخي حين استشهد بالآيتين الكريمتين في قوله عز وجل «وللرجال عليهن درجة» 228 البقرة «الرجال قوامون على النساء» 34 النساء.

أصابتني الخيبة بل لا أبالغ إن قلت الإحباط، كنت أنا في بداية فترة المراهقة أما هو كانَ في طور ببغاء! .. يردد ما يسمع دون أن يفهم كما أني صدقت ما سمعت دون أن أفهم.

قررت أن أستسلم لجولة، إلا أن شيئا داخليا كان يخبرني باستحالة ذلك، فعدت وأعددت العدة لجدال آخر، وبعد بحث في كتب التفسير ومواقع الانترنت في محاولة إعادة التوازن لذاتي والانتصار لحواء على آدم وكأن الأمر أشبه بصراع رغم أنه لم يكن يوما كذلك، فـلو فهم الرجال معنى الآيات والأحاديث التي يستشهدون بها للانتقاص من معشر النساء لما نطقوا بها.

لم يجحف الإسلام المرأة حقوقها بل أعطاها إياها كاملة، وللرجل عليها درجة ليضمن لها ذلك الحق! وغيره كالنفقة والأمور الفسيولوجية كالقدرة على الجهاد، والأمور السيكولوجية كالقدرة على ضبط النفس والمشاعر وجميع الأشياء التي وِهبوا إياها والمتعمقة في أصل تكوينهم لحكمة.

إذن نعود للدائرة من جديد لنخرج بإجابة مقنعة للجنسين، تكامل .. جعل الإسلام علاقة المرأة بالرجل علاقة تكامل فلا يستطيع أحدهما الاستغناء كليّا عن الآخر، فلو اجتمع رجال الكوكب ليعملوا على إنشاء مجتمع متكامل لآل بهم المآل إلى الفناء دون امرأة.

لذلك ما إن يخرج هذا الموضوع من إطاره الحقيقي حتى تختلّ الموازين، فالمساواة التي ينادي بها الغرب هي إحدى أكبر ثغراتهم، والتمييز الذي يطبقه مجتمعنا الشرقي هو أحد أضعف حلقاته، وكلا الأمرين ما أنزل الله به من سلطان، إن هي إلا أفكار غرب وعادات شرق.