إنفاق المال في غير منفعة ظاهرة
الثلاثاء / 16 / ربيع الثاني / 1437 هـ - 23:30 - الثلاثاء 26 يناير 2016 23:30
سنوات الرخاء الاقتصادي واليسر التي عاشها المواطنون في المملكة ودول الخليج في السنوات الماضية تركت آثارا كبيرة في بنية المجتمع الخليجي وفي سلوكه، وفي تصرفاته وتفكيره، وكذلك انعكست هذه الآثار على عموم الطبقات الاجتماعية في المنطقة بكاملها.
ولعلنا في هذا المقال نناقش بعض الظواهر التي نتجت عن مراحل الرخاء - أو الطفرة كما يسمونها - الذي عاشته أجيال يصلح تسميتها بجيل الطفرة النفطية والرخاء الاقتصادي، الذي لم تعرفه الجزيرة العربية في كل تاريخها البعيد والقريب، حتى تفجرت ينابيع النفط من أرض غير ذات زرع، فتحولت الجزيرة من صحراء قاحلة شحيحة الموارد قليلة الخيرات، إلى خزينة تملأ الجيوب والأيدي بالذهب، كل تلك النعم هي هبة البترول، وهي العامل الوحيد الذي اعتمد عليه أهل الخليج في كل ما أصاب حياتهم من تغير كبير، وتبدل في السلوك والآداب، اتحدت أسبابه في الثروة، واختلفت في الممارسة، ولقد أصاب حياتهم شيء غير قليل من التخثر والركود، واستبطان الكسل في كل ما يدفع إلى العمل، وفقد أكثرهم حافز الكد والكدح، الذي عرفه أجدادهم قبل عصور النفط وأيام الرخاء.
صار هذا الجيل بين ليلة وضحاها جيل المال والإنفاق والوفرة الطارئة التي لا تعتمد على عمل، ولا تقوم على الإنتاج، ولكنه وجد نفسه في مدة قليلة يملك المال الذي وصل إلى يديه من أسهل الطرق وأيسرها، ووفر له ما كان لا يستطيع توفيره ولا يستطيع إنتاجه، فضلا عن العمل له، فمما لا شك فيه أن الكثير من الناس يدركون جيدا حجم التغير الذي نال قيم المجتمع، وأثر في سلوكه سواء كان الأثر مفيدا ونافعا، أو كان سلبيا ترتبت عليه قيم وتقاليد وأعراف طارئة في عاداتهم غير مألوفة في ماضيهم.
فلو أخذنا أهم ظاهرة طفت على سطح المجتمع لوجدنا أعمالا كثيرة تعد مستفزة للنظرة العامة، وغير قابلة للتفسير المعقول في أحيان كثيرة، وقد انقسم المجتمع حيالها إلى قطاعين مختلفين، أحدهما قلة من الناس تهيأت لهم ظروف مواتية غير عادية، وأسعفتهم الفرص وأثروا ثراء كبيرا، وكان عماد ثروتهم يقوم على المحسوبيات، واستغلال الموقع الاجتماعي والإداري لقربهم من صانع القرار، أو من مصدر القوة، ومن هنا ارتفعت أرصدتهم في الجانب المادي وجاء عندهم المال الذي لم يبذلوا جهدا في اكتسابه، فهان عليهم ذهابه وأنفقوا في ملذاتهم، وبالغوا في الإنفاق، وزاد حالهم فنقلوا مظاهر البذخ في ثرائهم إلى مصايف العالم، وأشهدوه على سفاهتهم، فكانت أسواق لندن وباريس ومرابع سويسرا جزءا من حملتهم السنوية، حيث أصبح العالم يتحدث عما يعملون بالمال الذي صار إلى أيديهم بقليل من الجهد وكثير من الباطل.
أصبحت تصرفات هذه الفئة المترفة من حديثي النعمة أحاديث السمر في المجالس العامة في بلادهم، وفي الغرب الذي يمقت ما يراه من تصرفاتهم ومن ظواهر سلوكية غير محببة إليه ولا مقبولة عنده، ولم يجد هذا النوع من أرباب المال غير المكابرة والإعراض عن قيم المجتمعات التي يزورونها في كل عام، حين يستعرضون في شوارع تلك المدن مظاهر الترف، ودمامة التصرف.
أما القطاع الثاني فكثرة، لم تكن لها ثروة الأولين، ولا قدراتهم المالية، ومع هذا يقلدون بعض الأثرياء في ممارسة السفه الاجتماعي، بكل مضامينه وأشكاله، وفضيلة هؤلاء على أولئك أنهم محليون في أعمالهم، مقلدون في تصرفاتهم، يحيون ضروبا مكشوفة من التهور غير المسؤول، ويحاولون مشاكلة التقاليد التي كانت في زمن العسرة والشدة مقبولة عند الناس، بل لا يستطيع القيام بها إلا الأفذاذ منهم، أما اليوم فنجد المبالغة في موائد السرف التي لا يحتاجها حتى المدعوون لها، وصار من السهل القيام بما لم يكن من قيم الماضي، ولا من عادات العرب ولا أخلاقهم وإن جاء على شكل ما كان أجدادهم يفعلون.
إن الحاجة تدعو أن يكون هناك نظام واضح وقانون صريح يضبط السلوك العام للناس، ويرشد تصرفاتهم ويمنع التجاوز للحد المعقول والمقبول لإنفاق المال، حتى في عموم المباحات إذا كان مآلها إلى الضرر بالجماعة عامة، وبالمشترك من المصالح خاصة، والسرف في إنفاق المال في غير منفعة ظاهرة تمنعه كل القوانين والأعراف، وما يحدث من بعض الشرائح الاجتماعية حتى وإن كانت قلة يستحق المعالجة لأنه يسيء إلى سمعة الجميع ويبدد اقتصاد الوطن.
marzooq.t@makkahnp.com
ولعلنا في هذا المقال نناقش بعض الظواهر التي نتجت عن مراحل الرخاء - أو الطفرة كما يسمونها - الذي عاشته أجيال يصلح تسميتها بجيل الطفرة النفطية والرخاء الاقتصادي، الذي لم تعرفه الجزيرة العربية في كل تاريخها البعيد والقريب، حتى تفجرت ينابيع النفط من أرض غير ذات زرع، فتحولت الجزيرة من صحراء قاحلة شحيحة الموارد قليلة الخيرات، إلى خزينة تملأ الجيوب والأيدي بالذهب، كل تلك النعم هي هبة البترول، وهي العامل الوحيد الذي اعتمد عليه أهل الخليج في كل ما أصاب حياتهم من تغير كبير، وتبدل في السلوك والآداب، اتحدت أسبابه في الثروة، واختلفت في الممارسة، ولقد أصاب حياتهم شيء غير قليل من التخثر والركود، واستبطان الكسل في كل ما يدفع إلى العمل، وفقد أكثرهم حافز الكد والكدح، الذي عرفه أجدادهم قبل عصور النفط وأيام الرخاء.
صار هذا الجيل بين ليلة وضحاها جيل المال والإنفاق والوفرة الطارئة التي لا تعتمد على عمل، ولا تقوم على الإنتاج، ولكنه وجد نفسه في مدة قليلة يملك المال الذي وصل إلى يديه من أسهل الطرق وأيسرها، ووفر له ما كان لا يستطيع توفيره ولا يستطيع إنتاجه، فضلا عن العمل له، فمما لا شك فيه أن الكثير من الناس يدركون جيدا حجم التغير الذي نال قيم المجتمع، وأثر في سلوكه سواء كان الأثر مفيدا ونافعا، أو كان سلبيا ترتبت عليه قيم وتقاليد وأعراف طارئة في عاداتهم غير مألوفة في ماضيهم.
فلو أخذنا أهم ظاهرة طفت على سطح المجتمع لوجدنا أعمالا كثيرة تعد مستفزة للنظرة العامة، وغير قابلة للتفسير المعقول في أحيان كثيرة، وقد انقسم المجتمع حيالها إلى قطاعين مختلفين، أحدهما قلة من الناس تهيأت لهم ظروف مواتية غير عادية، وأسعفتهم الفرص وأثروا ثراء كبيرا، وكان عماد ثروتهم يقوم على المحسوبيات، واستغلال الموقع الاجتماعي والإداري لقربهم من صانع القرار، أو من مصدر القوة، ومن هنا ارتفعت أرصدتهم في الجانب المادي وجاء عندهم المال الذي لم يبذلوا جهدا في اكتسابه، فهان عليهم ذهابه وأنفقوا في ملذاتهم، وبالغوا في الإنفاق، وزاد حالهم فنقلوا مظاهر البذخ في ثرائهم إلى مصايف العالم، وأشهدوه على سفاهتهم، فكانت أسواق لندن وباريس ومرابع سويسرا جزءا من حملتهم السنوية، حيث أصبح العالم يتحدث عما يعملون بالمال الذي صار إلى أيديهم بقليل من الجهد وكثير من الباطل.
أصبحت تصرفات هذه الفئة المترفة من حديثي النعمة أحاديث السمر في المجالس العامة في بلادهم، وفي الغرب الذي يمقت ما يراه من تصرفاتهم ومن ظواهر سلوكية غير محببة إليه ولا مقبولة عنده، ولم يجد هذا النوع من أرباب المال غير المكابرة والإعراض عن قيم المجتمعات التي يزورونها في كل عام، حين يستعرضون في شوارع تلك المدن مظاهر الترف، ودمامة التصرف.
أما القطاع الثاني فكثرة، لم تكن لها ثروة الأولين، ولا قدراتهم المالية، ومع هذا يقلدون بعض الأثرياء في ممارسة السفه الاجتماعي، بكل مضامينه وأشكاله، وفضيلة هؤلاء على أولئك أنهم محليون في أعمالهم، مقلدون في تصرفاتهم، يحيون ضروبا مكشوفة من التهور غير المسؤول، ويحاولون مشاكلة التقاليد التي كانت في زمن العسرة والشدة مقبولة عند الناس، بل لا يستطيع القيام بها إلا الأفذاذ منهم، أما اليوم فنجد المبالغة في موائد السرف التي لا يحتاجها حتى المدعوون لها، وصار من السهل القيام بما لم يكن من قيم الماضي، ولا من عادات العرب ولا أخلاقهم وإن جاء على شكل ما كان أجدادهم يفعلون.
إن الحاجة تدعو أن يكون هناك نظام واضح وقانون صريح يضبط السلوك العام للناس، ويرشد تصرفاتهم ويمنع التجاوز للحد المعقول والمقبول لإنفاق المال، حتى في عموم المباحات إذا كان مآلها إلى الضرر بالجماعة عامة، وبالمشترك من المصالح خاصة، والسرف في إنفاق المال في غير منفعة ظاهرة تمنعه كل القوانين والأعراف، وما يحدث من بعض الشرائح الاجتماعية حتى وإن كانت قلة يستحق المعالجة لأنه يسيء إلى سمعة الجميع ويبدد اقتصاد الوطن.
marzooq.t@makkahnp.com