الرأي

كفى إسرافا استشاريا!

تطالعنا الصحف بين الحين والآخر بجديد أخبار اتفاقية أمانة محافظة جدة مع شركة بريطانية مختصة بتقييم وتصنيف جودة الخدمات الغذائية بمطاعم جدة، والتي تسعى لرفع مستوى السلامة، وتقليل نسبة المخاطر، والمساهمة في تدقيق وتقييم كل منشأة على حدة كل ثلاثة أشهر، وتصنيفها من فئة نجمة إلى خمس نجوم...إلخ.

أنهنئ أنفسنا أم نبكي على هذا التعاون؟ فمن أجل وسام التميز ومعايير الجودة الغذائية، ومن أجل إغلاق أو تميز مطعم، نحتاج لخبرة أجنبية بريطانية (عالمية) لتقرأ لنا معايير النظافة أو تطبق لائحة الشؤون البلدية والقروية لمتابعة المطاعم؟ هل نحن نعجز عن هذا؟ ما هو الأمر الصعب في متابعة وتقييم المطاعم؟ وحتى في حال عدم وجود بنود لتصنيف المطاعم لفئات، فما المانع في أن يستعان بمختص سعودي وخبراء في مجال المطاعم وفنادق النجوم الخمس أو الصحة الغذائية، أو الاستعانة بفريق مختص مكون من تخصصات عدة يقوم بعصف ذهني ليخرج بمذكرة توضيحية لمعايير التصنيف وآلية التطبيق؟ كفى إسرافا في الموارد المالية في أمور لا طائل منها.

يقال دائما إن الدولة تعاني من هجرة الأموال مما يؤثر على اقتصادنا. الأولى من إنفاق هذه الأموال بالشراكة مع شركة أجنبية بريطانية هو صرفها في زيادة أعداد الموظفين المراقبين الصحيين، وتفعيل جودة عملهم، وقياس المستوى الفعلي لإنتاجهم، وضبط آلية مراقبتهم بتركيب أجهزة تتبع لحركة المركبات ومعرفة أماكن وجودهم بالضبط، وإقامة دورات تثقيفية للمراقبين الصحيين الجدد، وتعيين مختصين لمتابعة جائزة وسام التميز.

الحلول والأفكار كثيرة وعديدة، وإن كنا نريد استدامة لعملية المتابعة والمراقبة فصرف الأموال في التدريب وتعيين الموظفين على البنود خير ألف مرة من الاستعانة بشركة عالمية.

ما رأيكم في أن نستعين أيضا بفريق أجنبي لمتابعة لائحة السلامة وسبل الحماية التي تخص الدفاع المدني؟ وشركة عالمية لتطوير المناطق العشوائية...إلخ؟ القائمة لن تنتهي.

لسنا ضد الاستعانة بالخبرة الأجنبية، ولكن في المجالات التي نعاني فعلا من فقر المختصين بها، ونحتاج لدعم فيها.

في فترة السبعينات كنا نحتاج للشركات الاستشارية في كل أمورنا لقلة الكوادر المتخصصة، ولطبيعة المرحلة التي تقتضي التركيز على سرعة النمو. أما في المرحلة الحالية (مرحلة التحول الوطني) فيجب أن نركز على جدوى بعض المشاريع، والتعاقد مع الشركات الاستشارية، وأن نقصر وجودها على القضايا الملحة وفق ترتيب الأولوية ومدى المنفعة الفعلية، كالتعاقد على دراسة مخاطر سوء التخطيط في المدن والقرى، وتوطين المخططات السكانية في مجاري السيول والأودية، ووضع نماذج متعددة لحلها.

وإن كنا نسعى للمحافظة على المياه مثلا ونحن من أفقر الدول فيها، فإن وجود الشركات المتخصصة في سبل استغلال الثروات المهدرة من مياه الأمطار التي تلقى في البحر أكثر نفعا من شركة وسام التميز للمطاعم.