معرفة

مدينة الشوك

u0645u062du0645u062f u062eu064au0631 u0646u062fu0645u0627u0646
بالنسبة للعاملين في الجمعيات الخيرية، يعد مخيم داداب للاجئين كارثة إنسانية، وللحكومة الكينية حضانة للإرهابيين، وللإعلام الغربي منطقة محظورة، ولكن بالنسبة لنصف مليون لاجئ يسكنونه يعد الملاذ الأخير لهم.

يقع مخيم داداب على بعد مئات الأميال من أي مكان مأهول آخر، في عمق الصحراء الجافة القاسية شمال كينيا، حيث لا تنمو سوى أجمات الشوك، وهو مدينة لا تشبه أي مدينة أخرى، فالمباني التي في المخيم مصنوعة من الطين، والعصي، والبلاستيك، واقتصاده بالكامل يعتمد على بيع السلع عبر قنوات غير شرعية، والسكان فيه يعيشون على الحصص الغذائية والحظ. وعلى مدى أربع سنوات، كان بن رولانس شاهد عيان على ما يجري في تلك الأرض الغريبة المنسية واليائسة، وتعرف على كثير من أولئك الذين جاؤوا إلى هناك بحثا عن ملجأ.

وتعني كلمة داداب «المكان الصخري القاسي»، ومعظم الذين يسكنون المخيم هم من الصوماليين الذين هربوا من المجاعة والإرهاب في بلادهم، لكن هناك سكانا آخرين من السودان، ورواندا، وأوغندا، وإثيوبيا. الشيء الذي يوحدهم جميعا أنهم يعيشون في حالة معلقة لا تطاق ولا يبدو أن لها نهاية.

المطرقة والسندان

وتحدث عن هذا المكان الكاتب بن رولانس في كتابه «مدينة الشوك: حياة تسعة أشخاص في أكبر مخيم للاجئين في العالم»، الصادر عن دار بيكادور، 2016، ويقول: تضايق الدولة الكينية اللاجئين دون أن تتلقى أي عقاب. ومن ناحية أخرى، هناك تنظيم الشباب الذي هرب منه كثيرون مرة واحدة على الأقل. اللاجئون، بالمعنى الحرفي، بين الصخرة والمكان القاسي (المطرقة والسندان) الذي يمثله اسم المكان.

ونحن نعيش حاليا خلال أزمة عالمية للاجئين ذات أبعاد كارثية، حيث يتدفق آلاف السوريين والعراقيين يوميا إلى أوروبا، وآلام الصوماليين وباقي الأفارقة النازحين والمهجرين تراجعت عن المشهد العام إلى حد ما بسبب اهتمام الإعلام بأزمة اللاجئين الجديدة القادمة من الشرق الأوسط.

ويعيد رولانس وهو باحث سابق عمل لمصلحة منظمة حقوق الإنسان هيومن رايتس ووتش في أفريقيا، تسليط الضوء على اللاجئين الأفارقة في هذا الكتاب الطموح الجديد ذي الأهداف الأخلاقية. وربما كان أهم موضوع مروع ينبثق من الكتاب هو مدى العذاب الذي يولده الصراع من أجل البقاء في الحياة في المخيم: معظم اللاجئين في داداب ليس لديهم أمل في المغادرة، وينتظرون مخلِّصا يبدو أنه لن يأتي أبدا، ووجهة نظر الغرب، رغم أن المسؤولين الغربيين نادرا ما يصرحون بها، هي أنه لا يمكن عمل أي شيء بخصوص سكان هذا المخيم البائس.

وأضاف الكاتب أنه «لا أحد يريد أن يعترف أن مخيم داداب الموقت أصبح دائما»، تأسس عام 1992، وكان في الأساس مهيئا لاستقبال 90 ألف لاجئ هربوا من الحرب في الصومال، ولم يكن أحد يتخيل أن جيلا كاملا من الأطفال سيكبرون هناك، أو أن كل هذا العدد الإضافي من اللاجئين سيسارع في الذهاب إلى المخيم، في الوقت الذي انتقلت فيه الفوضى السياسية والجحيم في الصومال من سيئ إلى أسوأ.

ويؤكد أنه «لا الماضي، ولا الحاضر، ولا المستقبل هو مكان آمن لإغلاق العقل لفترة طويلة، وأن يعيش المرء في مدينة الشوك هذه يعني أنه محاصر عقليا، كما هو محاصر جسديا».

والسبب الذي يجعل الكاتب يسمي هذه الحاضرة «مدينة الشوك» هو أشجار الشوك الهشة التي تملأ المكان، وداداب فيه محطة إذاعية خاصة به، وسوق خاص يباع فيه كل شيء من أجهزة الهواتف المحمولة إلى الكتب، إلى لحم الجمل بكل أنواعه، وأيضا مستشفى خاص ومدارس للأطفال، كما يحوي دار عرض موقتة للسينما، وعدة فرق لكرة القدم يتم إجراء بطولات بينها بين الحين والآخر.

يحيك رولانس قصص تسعة أشخاص ليبين كيف تجري الحياة في داداب، ويرسم القوى السياسية الأوسع التي تساهم في بقاء اللاجئين عالقين هناك، ويجمع في «مدينة الشوك» بين قدرته على كتابة القصة بطريقة حميمية مع براعته في التحقيق الصحفي الاجتماعي ـ السياسي. والجهود التي بذلها لجمع المادة التي ساعدته على التأليف هي جهود جبارة ومضنية.

ويظهر المخيم من خلال أبعاد ثلاثة عبر سطور الكتاب، حيث يستطيع القارئ أن يحصل على صورة قريبة للطريقة التي يعيش بها اللاجئون؛ وتتضح قوانين المخيم غير المكتوبة؛ ويظهر الاقتصاد الطفيلي الذي يعتمد على السلع المهربة وعلى إعادة بيع الحصص الغذائية التي توزعها الأمم المتحدة.

يطرح رولانس في نهاية الكتاب، السؤال الأهم: هل حقا ليس هناك ما يمكن عمله بخصوص مخيم داداب واللاجئين الذين يعيشون فيه في ظروف بائسة؟

«بن رولانس باحث سابق، عمل في منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان في القرن الأفريقي. سبق له أن ألف كتاب «راديو كونجو» ونشر مقالات كثيرة في عدد من الصحف والمطبوعات المهمة. يعيش في ويلز ببريطانيا مع زوجته وابنته».