الرأي

«بداية» انعطاف الوعي الصحوي

في البداية كانت النار موجهة ضد مجموعة الـ MBC، ثم ما لبثت أن اشتعلت في داخل المعسكر نفسه الذي يقول إنه (محافظ) فأصبحت قناة بداية مؤخرا في مرمى النيران الصديقة بلا هوادة. طبيعة النيران التي وجهت لقناة بداية كانت لذات الادعاء المحافظ، والذي يرى بأن القناة التي تقول إنها محافظة قد أخلت بالشروط الواجب توفرها في تعزيز وقار المحافظة المأمولة وشكلها الذي يجب أن تخرج به. هذا يدل على أن سقف تلك المحافظة لا حدود واضحة له، ولا يمكن إدراك كنهه، ولا يمكن الاتفاق على معاييره، وليس أكثر من (مزاج) معين عند شريحة من الناس اعتادت أن تتصدر الحديث باسم بقية المجتمع بما تؤمن به وترتئيه في مزاجيتها المتبدلة مع الزمن وظروفه.

قناة بداية تقدم أنموذجا مشوها وهجينا لما تقول إنه (البديل الإعلامي) المفترض للشباب والفتيات الذين ينتمون لشريحة الصحوة (المحافظة)، وليس هنا مثار الجدل، وأعتقد أن تلك المرونة الشكلية بحد ذاتها تثبت أن الصحوة اليوم انقسمت إلى قسمين: الحرس القديم الذي استمر حتى في معارضة ذلك البديل المحافظ، والصحوة الجديدة التي تأخذ بالأدوات الحديثة ولغة العصر لتمرير محتوى الخطاب نفسه، وبالتالي فالاختلاف الصحوي - الصحوي حول قناة بداية هو اختلاف في طبيعة الوسائل لا الغايات، إنما مثار الجدل الحقيقي هو في عمق التصورات المتراكمة التي جاءت الأحداث المتعلقة بجمهور تلك القناة لتثبت ما نقوله دائما من خطورة المزايدة على القيم.

فوجئ الناس في مواقع التواصل الاجتماعي بخبر هجوم مجموعة من الفتيات على القرية التي يجري فيها تصوير أحد البرامج الشبابية التي تعرضها قناة بداية، هذا السلوك غير مهم من الناحية الخبرية، مجرد فتيات مراهقات أو حتى لو لم يكن كذلك، ولا ينبغي الالتفات كثيرا لخبريته، ولكنه في غاية الأهمية والخطورة من حيث الدلالة الفكرية والقيمية، فالمزايدة التي ألفنا لغتها الاستعلائية زمنا طويلا ها هي اليوم لم تفلح في صد ذلك السلوك نفسه الذي اخترق حتى تلك الشريحة الاجتماعية نفسها التي كانت تهاجم الإعلام والعالم كله انغلاقا على محددات ثقافية ترفع شعار (الخصوصية). هذا السلوك الذي قامت به فتيات قناة بداية وغيره من السلوكيات المشاهدة مما يندى له الجبين تثير الكثير من الأسئلة التي ستفوح تلقائيا في حديثنا عن طبيعة العلاقة بين الجنسين:

- لماذا أصبح كل من المرأة والرجل عقدة موغلة في الوعي بطبيعتهما الوظيفية في ذهن كل منهما عن الآخر؟

- لماذا انحصرت العلاقة بين الجنسين في ذلك المسار المحدد بالحدود الغريزية؟ وهل يمكن أن تخرج عن حدود ذلك المسار المشوه إلى آفاق أكثر فطرية؟

ذلك البناء التراكمي من التربية التي تعمل على ترسيخ الصورة الغريزية عن الجنس الآخر سوف ينتج بالضرورة أجيالا تتصرف وفق تلك التربية التي حقنت تصوراتهم بشكل محدد ومحسوم عن الجنس الآخر، ولن ترى في ذلك الآخر إلا فرصة غريزية في حال الالتقاء به أو التواصل معه، وبالتالي فإن خطورة تلك التربية التي تتبنى المزايدة على قيم الفضيلة بعشوائية مفرطة تكمن في مخرجاتها التي تنتج إنسانا (من الجنسين معا) مهووسا بالغريزة وملاحقتها أو الانشغال بها ومكافحة إلحاحها عن الإنتاج والإبداع والتألق وعن معالي الأمور.

الخلاصة المرجوة هي أن تعيد إلينا بعض هذه الحوادث الوعي بأدوات التربية التقليدية، وكذلك لغة الخطاب الوعظي التي تستخدم أسلوب الحشد والتعبئة ضد الجنس الآخر دون أن تدرك أنها تقوم بتحفيز أعماق الوجدان للاهتمام بذلك الآخر واكتشاف كنهه (الممنوع).

يجب أن تخف هذه العشوائية في المزايدة، وبالتالي ينشأ الجيل على طبيعة متوازنة من التصورات الفطرية تجاه نصفه الآخر وشريكه في هذه الحياة.

waheed@makkahnp.com