الرأي

نحن والثورة الصناعية الرابعة!

مر العالم بثلاث ثورات صناعية مختلفة، لكل مرحلة منها صفاتها وميزاتها، ارتبطت المرحلة الأولى منها بالمحرك البخاري، فيما ارتبطت المرحلة الثانية بإدخال الإنتاج عبر السير الناقل، فيما كانت الاستعانة بالكمبيوترات في الإنتاج والثورة الرقمية عنوانا للثورة الصناعية الثالثة.

واستفادت دول العالم المتقدم من هذه الثورات، أو بالأصح قادتها ووظفتها لصالح اقتصاداتها وشعوبها، ومع دخول الألفية الجديدة بدأ الحديث يتسارع عن ثورة صناعية رابعة تعتمد على الذكاء الصناعي لجعل الآلات والمعدات أكثر ذكاء وربطها بالانترنت، ولا يتدخل فيها العنصر البشري إلا بصورة طفيفة، هذه الثورة ستكون شعارا للمنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» التي بدأت فعاليتها يوم الأربعاء الماضي.

هذه الثورة الصناعية ترتكز على الذكاء الصناعي والأجهزة ذاتية الحركة «الروبوتات» والمركبات الذاتية الدفع والطباعة المجسمة ثلاثية الأبعاد وتقنية النانو، وستكون «الروبوتات» أو»الإنسان الآلي» بديلا للإنسان العادي، وستكون أكثر قدرة وجودة على إنتاج منتجات مختلفة وجديدة.

يقول «رولد بنت» مدير شركة فونكس الألمانية تعليقا عن بعض الآليات التي عرضتها شركته في معرض هانوفر الأخير «إن هذه الآلات يمكنها أن تتكيف مع الشروط المتاحة والمطلوبة، ويمكنها إنتاج منتجات جديدة لم تكن معروفة عن صناعة هذه الآلات»، وستكون بذلك ركيزة مصانع المستقبل لما توفره من اختصار للجهد والوقت والتكاليف، وهو ما تنشده المنظمات والشركات من أجل تعزيز نموها وربحيتها، والتخلص من مطالب النقابات وضغوطها المستمرة لحماية أعضائها والمنتمين لها والمطالبة بحقوقهم.

ويحيط بهذه الثورة الصناعية وأثرها على سوق العمل جدال كبير، فريق متشائم يقوده العالمان «كارل فري» و»ميشائيل أوسبون» فهما يريان وفقا لدراسة أعداها في 2013 أن التشغيل الآلي في حال اكتماله سيؤدي إلى فقدان فرصتي عمل كل ثانية، وفي المقابل، يرى «ميشائيل روسمان» من مؤسسة الاستشارات «بوسطن كونسالتينك» أن الصناعة الرقمية ستؤمن 390 ألف فرصة عمل جديدة في السنوات العشر المقبلة.

وبين هذا وذاك تشير دراسة أعدها منتدى دافوس الاقتصادي إلى أن الثورة الصناعية الرابعة ستخلق تحديات كبرى لسوق العمل العالمي، عندما يحل الروبوت الآلي بديلا للإنسان، ويقوم بنفس المهام بأكثر دقة ومهارة وأقل تكلفة وجهد، وسيستولي على نحو 50% من الوظائف في الولايات المتحدة في 2025، ونحو 70% من الوظائف في الصين، وسيستولي على نحو 140 مليون وظيفة في العالم في غضون عشر سنوات، وعلى نحو 5 ملايين وظيفة في 2020.

كل ما ذكر أعلاه يؤكده المؤتمر الصحفي للرئيس المؤسس لمنتدى «دافوس» كلاوس شواب حول هذه الثورة بأن العالم ليس مهيأ بما فيه الكفاية للتعامل مع الثورة الصناعية الرابعة، وما ينتج عنها من تغييرات في جميع نواحي الحياة تطال جميع المجتمعات، وتجتاحها كالتسونامي، وستغير أنظمة بأكملها، ويكمل في موضع آخر بأن عدم الاستعداد بما فيه الكفاية سيخلق عالما تجمد فيه الطبقة الوسطى، ويمكنها أيضا أن تؤدي إلى تهميش بعض الفئات، وتفاقم عدم المساواة وخلق مخاطر أمنية جديدة وتقويض العلاقات الإنسانية، وهو ما يجب علينا العمل لتفاديه قطعا.

إذا ما أخذنا كل هذه التحديات في الاقتصاد وسوق العمل التي ستخلقها الثورة الصناعية الرابعة بعين الاعتبار، والحضور السنوي والمشاركة الفعالة في المنتدى الاقتصادي كأحد أعضاء مجموعة العشرين الاقتصادية، فإن الأسئلة التي تتبادر للذهن في هذا السياق، كيف يمكن لاقتصاد المملكة أن يتكيف مع هذه الثورة الصناعية وتحدياتها؟ وكيف سيستفيد منها إيجابيا؟ أم إنه سيتأخر عن ركوب الموجة، وتفويت فرص كبرى قد تخلقها، وهل سيأخذ برنامج التحول الوطني الذي يجري العمل عليه حاليا هذه الثورة وتحدياتها في الحسبان؟ هل لدى البرنامج المرونة الكافية للاستجابة والتكيف مع هذه التحولات؟ إذا ما علمنا أن لدينا رغبة وإرادة جادة للتحول لاقتصاد منتج ومتنوع، وفي المقابل لدينا نسبة بطالة تعد مرتفعة إلى حد ما، ونواجه مشكلة في خلق وظائف، وبدأت الطبقة المتوسطة لدينا في التآكل والانكماش، وأن هذين العنصرين قد يكونان الأكثر تضررا من هذه الثورة الصناعية.

alofi.m@makkahnp.com