الرأي

إلى متى النصب والاحتيال.. في وضح النهار؟

مكيون

لقد كانت زلة لسان أحد رجال الأعمال بوصفه للشعب السعودي (بالمدلعين) هي غلطة العمر التي كشفت تجاوزاته وتعدياته على مرافق خدمية للمواطنين بضم خط خدمة إلى قصره في أحد شوارع جدة وأكثرها ازدحاما، وهو شارع صاري..! وحقيقة فقد حركت هذه القضية المياه الراكدة لدى الجهات المختصة للبحث عن إقطاعيين آخرين التهموا أجزاء من شوارع وأدخلوها ضمن قصورهم، وفي مدن متنوعة من بلادنا الغالية.

بل إن هذه القضية التي كشفتها الصدفة ما هي إلا صورة مستنسخة من صور أخرى كثيرة لبعض الإقطاعيين والهوامير الذين بدؤوا حياتهم صفرا ومدت لهم الدولة يد العون ومكنتهم اقتصاديا وماليا وشيدوا قصورا وعروشا و«كروشا»، ولكنهم وللأسف عضوا اليد التي امتدت إليهم ليس فقط باعتداءاتهم على أملاك الدولة بما فيها من شوارع خدمات وأراض بيضاء، والتي كشفت التحقيقات الأخيرة تورط الفساد بكافة أشكاله فيها على شاكلة (امسك لي وأقطع لك) وبالاعتداءات وفي وضح النهار، بل استيلاء آخرين على أموال المواطنين بحجج واهية مثل الاستثمار والمرابحة.

وحين يأتي موعد الحصاد تراهم (فص ملح وذاب).. ولم تكن قضية (الأجهوري) إلا بداية لسلسلة طويلة ومتتابعة ومعقدة من قضايا الاحتيال على المواطن، مثل قضية أحد كبار الصاغة في مكة المكرمة -والذي توفي مؤخرا- وعليه الملايين من الريالات جمعها من أرامل وسيدات وفقراء مكة (الذين حطوا الريال على الريال) لجمعها ثم تبخرت أحلامهم في عدم استثمارها أو على الأقل استعادتها!

بل طالت عمليات النصب والاحتيال حتى الجمعيات الخيرية، فقد أطلت برأسها على المجتمع الخيري في قضية (شركة إسمنت -مقفلة) والتي طرحت أسهمها للاكتتاب، وبإيعاز من وزارة الشؤون الاجتماعية عام 1430هـ للجمعيات الخيرية للاكتتاب فيها عن طريق المسؤول رئيس الشركة؛ وانطلاقا من حرص الوزارة في دعم وتنمية الموارد المالية للجمعيات والمؤسسات الخيرية من خلال الفرص الاستثمارية طلبت من الجمعيات الخيرية الاكتتاب فيها، ومما زاد الطين بلة حينما قدمت شركة تسويقية لتسويق أسهم الشركة الإسمنت، وطالبت بمبالغ أخرى لإتمام عملية الاكتتاب، وحُدد الحد الأدنى للاكتتاب مائة ألف سهم بمليون ريال، فقامت الجمعيات الخيرية وخاصة في منطقة مكة المكرمة بالاكتتاب فيها ثقة منها بآراء وتوجيهات الوزارة، ومنهم من اكتتب بالحد الأدنى ومنهم من تجاوز ذلك بأضعاف، فضلا عن مدفوعات التسويق، ولكن يبدو أن الشركة التي وصفت بـ(مقفلة)، منذ افتتاحها وقت الاكتتاب، لم تفتح بعد..! حيث إنه بالرغم من وجود الوثائق الرسمية الثبوتية لحصول الشركة على هذه الأموال، وبالرغم من صدور حكم غيابي على الشركة من قبل بعض الجمعيات الخيرية مثل: (إلزام المدعى عليها بأن تدفع المبالغ للمدعي (جمعية أم القرى الخيرية النسائية بمكة المكرمة)، إلا أنه وللأسف لم تنفذ أوامر القضاء حتى تاريخه.

وهنا لا بد لنا من وقفه: أين دور وزارة الشؤون الاجتماعية التي هي من قامت بالتعميم على الجمعيات الخيرية بالاستثمار في هذه الشركة؟ حتى ولو كانت في عهد وزارة سابقة، فالمفروض أن تكون أعمال الوزارة تراكمية لا تتغير بتغيير الوزراء، لماذا لا تستخدم الوزارة نفوذها ضد هذه الشركات ليس فقط بإعادة أصول هذه الأموال للجمعيات الخيرية، بل واستثماراتها خلال تلك السنوات السابقة ومتابعة محاكم التنفيذ في تنفيذ القرارات القضائية، فهذه الأموال تصرف على الفقراء والأرامل والأيتام.

بل نتمنى أن تتخذ إجراءات حاسمة - بحجم جرافات إمارة منطقة مكة المكرمة التي أزالت التعديات في أقل من 48 ساعة وفرضت غرامات على كل متر مربع خلال ثمانية عشر عاما بلغت الملايين - ضد كل الهوامير الذين يمتصون دماء الشعب وأكسير حياتهم بينما هم يترعون بخيرات الوطن في منتجعاتهم الخاصة في سويسرا ولندن ودبي.. وغيرها.

وحتى الذين توفاهم الله لا بد أن يحجر على الورثة بعدم تبديد الأموال لإعادتها لأصحابها، وأن تقوم الجهات المختصة ومحاكم التنفيذ بدورها في إعادة الحقوق لأصحابها، فنحن في عصر سلمان العزم والحزم، ونصرة الحق وإشاعة العدل، ومن للرمح غير باريها.