الرأي

البلديات.. إيصال للتيار ثم إزالة ودمار!

تحذيرات عدة، كان من آخرها ما صدر على صدر صحيفة محلية كعنوان رئيس في صفحتها الأولى، تحذير من قيام بعض الشركات العقارية بتسويق مخططات وأراض وهمية غير موجودة على الطبيعة، وغير معتمدة من الأمانة، مؤكدة أن هذا يعد تغريرا بالمواطنين وسلبا لأموالهم بدون وجه حق.

ويأتي ذلك التحذير بعد نشر إعلانات في عدد من الصحف المحلية، عن بيع قطع أراض تحت مسميات عدة من قبل مسوقين عن بيع مخططات في عدة مناطق، وتؤكد أنه لا توجد مخططات خاصة معتمدة في المناطق المعلن عنها!

وتنوه أمانة أخرى للمواطنين والمواطنات عن انتشار عدد من إعلانات البيع العشوائية للأراضي وغيرها من العقارات بطرق غير نظامية عبر بعض الوسائل الإعلامية، ومواقع التواصل المختلفة، وتهيب الأمانة بالجميع عدم شراء العقارات إلا بعد التأكد من نظاميتها وتوافر أوراقها الثبوتية حفاظا على حقوقهم.

وقفت متعجبا من فتوى صدرت من أحد الناطقين الإعلاميين أن في ذلك شبهة المخالفة الشرعية، كون البائع يبيع ما ﻻ يملك، كما أن هناك مخالفة لأوامر ولي الأمر التي تلزم ملاك الأراضي بتعليمات وتنظيمات جهة الاختصاص، وأنها تمثل غشا وتدليسا على المشترين، حيث ﻻ يضمن حقهم في تملك العقار والاستفادة منه، بالإضافة إلى ما يتم من مكاتبات في عقد الشراء يذكر فيها البائع أنه يحمي المشتري من اﻷشخاص، ولا يحميه ضد الجهة الحكومية، مشيرا إلى أنه تم التحذير من ذلك بعدد من الصحف الورقية والالكترونية، إضافة لمواقع التواصل الاجتماعي والشاشات الالكترونية.

إلى هنا والمشهد يسوده الغموض، والضبابية تضرب بأطنابها؛ بل ويخيم عليه التعجب، فها هي صحيفة سيارة تتيح لمن حذر منه، أن يعلن وعبر صفحة كاملة فيها أن استثماراته في كل الوطن، وما زال يرسل رسائل عبر برامج الجوال ومواقع التواصل الاجتماعي، دون حسيب أو رقيب، ليظهر التساؤل التالي: إذا كانت الأمانات ترى أن مثل هذه الأعمال غير مشروعة، وأن تلك المخططات وهمية أو أن صكوكها غير صحيحة أو كما تعبر هي مشاعة، فلماذا لا يتم القبض على هؤلاء، ويكفون المجتمع شرهم؟

إن من المفترض أن تقوم الأمانات بواجبها منذ بداية الأمر، وألا تتيح المجال لكل من هب ودب أن يتحايل، والعجب يكمن في التجاهل الذي تمارسه؛ فهي تتيح المجال لمن أراد البناء، بل وتمنحه ورقة يتمكن من خلالها من الذهاب لشركة الكهرباء ويتم إيصال التيار لعقاره، ثم تستيقظ وتقوم بحملة إزالة، وقد عاينت بنفسي عددا من الأراضي وقد هدمت أسوارها، في منظر مؤلم ومشهد مؤسف.

وقد ناقش مجلس الوزراء الموقر مؤخرا موضوع التعدي على الأراضي الحكومية وأقر عددا من الترتيبات من بينها: أن للجهة الحكومية المعنية تمكين واضع اليد على أرض - داخل حدود التنمية العمرانية - استغلها لأغراض زراعية أو صناعية أو خدمية أو تجارية، من حق الانتفاع بالمساحة المستغلة فعليا من تلك الأرض بأجرة تقدرها الجهة المعنية، وفقا لعدد من الشروط.

وبودي أن يتم تنظيم هذه المناطق التي قام البعض بتخطيطها بشكل شخصي ووفق ما يراه بعيدا عن الهندسة المدنية وقواعدها ونظمها، ومنح أحقية التملك لمن قام بالبناء إذا لم يكن هناك مانع، كأن يكون هناك مالك آخر، وبخطاب من شيخ تلك القرية أو المركز؛ فمناطقنا شاسعة وأراضينا واسعة، ولم يعد بمقدور هؤلاء البسطاء تملك أرض داخل النطاق العمراني، حيث الأسعار الملتهبة التي لم تعد بمقدورهم، وتجاهل ما قاموا به من إنشاءات، أو تركهم ومنحهم أحقية إيصال التيار الكهربائي، ومن ثم القيام بإزالة ذلك وإحالته إلى دمار بعد عمار، وأثر بعد عين، وهو أمر غير منطقي، فليس من المعقول ولا من المقبول أن يتم هدر تلك الأموال وإحالتها إلى يباب بسبب الغياب.

أما مسألة التحذير من الشراء والإعلان عن عدم نظامية ما قام به أولئك المساكين، سواء غرر بهم أو غير ذلك، فإن ذلك بعيد عن الواقع، فأحياء قد بنيت وربما سكنت، والتعامل مع الواقع يفترض أن يكون بمنطقية بعيدا عن التفكير في الإزالة، والتمسك بالأنظمة، فهل تعيد الوزارة النظر في تعاطيها مع الواقع وتعاملها مع المشهد؟.