الرأي

تعلُّم قابل للتحول

ما بين الحاجة إلى مواجهة تحديات الحاضر والاستعداد لتحديات المستقبل، تتوقف آمال الوطن وكذلك المواطن عند التعليم، ليكون مواكبا للتغيرات الاقتصادية والبيئية والتكنولوجية والاجتماعية المعاصرة، والتي شكلت المصادر الرئيسة المغذية لتلك التحديات اليوم وستولد المزيد منها في الغد.

وحتى يلعب الفرد أدواره كمواطن، كموظف، كمسؤول، كقيادي، كمرب، كأب، كأم، كمتطوع، كمبادر، كرائد أعمال، أو أي دور وطني مسؤول، هناك ضرورة لأن يتم توجيه الجهود والموارد لتحديد احتياجاته من رزمة المعارف والمهارات والأدوات التي تمكنه من الوقوف بصلابة أمام تلك التغيرات ومن تجاوزها بقيادية وتفوق.

كل شيء في عالمنا يتغير، وكذلك التعليم، لن يقف عند نقطة، بل سيخوض التجربة كغيره، وسيعمل ليواكب احتياجات الوطن والمواطن المتجددة من المعارف والمهارات، وذلك حتى يتمكن من تأدية مسؤولياته المتوقعة من دون تقصير. فهو إن وقف متفرجا، فالعواقب ستكون وخيمة، من بينها تأخر جيل بأكمله، ونشوء المزيد من التحديات واستمرار استنزاف الموارد والطاقات البشرية والطبيعية النافدة فيما لا يعود للمواطن والوطن بأي نفع.

وقد قدم مقالي الأسبوع الماضي لمحة سريعة عن مهارات القرن الـ21 وتطرق للفرق بينها وبين المهارات التي يقوم عليها التعليم الوطني الحالي (والتي غالبا ما تنحصر في تقوية الذاكرة وتنمية المهارات السببية - القدرات الذهنية فقط).

ومع الأسف، لا تزال تطبيقاتنا للقدرات الذهنية محصورة على المسائل التي يعدها المعلمون أو المقدمة ضمن الكتب (أي منقطعة عما يجري في الواقع العملي من ممارسات متغيرة ومتجددة، سيتعامل معها الطلاب بعد تخرجهم).

فمن ناحية، ما زلنا في حاجة لمراجعة مستوى ما يقدمه التعليم الحالي للطلاب من مهارات (والمعتقد أنها ضيقة سواء على المستوى المفاهيمي وكذلك التطبيقي)، ومن ناحية أخرى، نحن بحاجة لإضافة رزمة من المهارات المستجدة لتواكب متطلبات سوق العمل التي تغيرت، ولتواكب حاجة الإنسان للتعلم القابل للتحول (أي القابل للتطبيق على مجالات تتعدى مجالات التخصص الواحد - النظرة الحديثة).

ولتتضح الصورة حول مفهوم التعلم القابل للتحول، إليكم ما يلي: نحن اليوم، نبذل الجهود ليصبح ما يتلقاه الطالب من معارف ومهارات داخل الصف ممكنة التطبيق على حالات ومشكلات متخصصة خارج الصف، في حين أنه قد أصبحت هناك حاجة لأن تبذل الجهود ليتم تقديم تلك المعارف والمهارات للطالب بطريقة تسمح له بتوسيع نطاق تطبيقها لتشمل مجالات خارج نطاق التخصص، وليس فقط خارج الصف (transferable competencies).

على سبيل المثال، نظرا لاستمرار تغير الظروف التجارية، ظهرت الحاجة لاستخدام معارف وقدرات علم الإحصاء في مجالات متعددة ومتقدمة ضمن إدارة الأعمال، في مهام جوهرية تشمل تحليل بيانات التكاليف والمبيعات واتخاذ القرارات.

من الضروري أن يواكب التعليم ما تتطلبه الظروف المتغيرة من تعليم عميق، يسمح بالتحول متى ما وجدت الحاجة لذلك، فذلك هو السبيل الذي يمكن من خلاله تخريج كوادر تستطيع الوقوف أمام تحولات التقنيات والظروف الاقتصادية والاجتماعية المتغيرة بصلابة، فتساهم في تنمية ذواتها وتقدم أوطانها.

almarahbi.h@makkahnp.com