الرأي

التغيب عن العمل.. مأساة

كشفت هيئة الرقابة والتحقيق - فيما ذكرته إحدى الصحف المحلية مؤخرا - أن 266 ألف موظف حكومي قد تغيبوا عن العمل العام الماضي.

وذكرت الهيئة أن موظفي أربع وزارات خدمية كانوا الأكثر تسيبا من خلال الغياب وعدم الانتظام في العمل.

وقالت الهيئة إن هذه الوزارات هي التعليم، الصحة، الشؤون البلدية والقروية والعدل.

وتكمن المأساة في أن هذه الوزارات الأربع هي وزارات خدمية ترتبط ارتباطا مباشرا بالمواطنين والمراجعين.

ولعل من المستغرب أن تكون وزارة التعليم بالذات هي الأولى في التسيب، حيث غاب عن العمل فيها العام الماضي 112 ألف موظف، تليها وزارة الصحة بنحو 48 ألف موظف ثم الشؤون البلدية والقروية بنحو 36 ألف موظف فالعدل بـ 30 ألف موظف.

ولقد شعرت بحزن عميق وأنا أقرأ هذه الإحصائية المخيفة عن تغيب الموظفين الحكوميين عن أعمالهم ذات الارتباط المباشر بالمراجعين، فماذا يمكن أن نقول عن هذا التسيب الإداري المؤلم؟

وإذا كنت قد شعرت بالحزن والألم من أداء وزاراتنا المرموقة فلا بد أن الآلاف غيري من جماهير الشعب قد شعروا بنفس الإحساس والغبن من الأداء المتدني للوزارات بسبب تغيب الموظفين وتسيبهم.

ولك أن تتخيل ماذا يحدث إذا غاب مدرس عن مدرسته؟ كيف يكون حال الطلاب؟ وكيف يكون حال أولياء الأمور الذين لا يساورهم الشك بأن المدرسين يمثلون القدوة والأمل وهم شعلة الضوء المتوهج في حياتنا والأمل معقود عليهم لتخريج قادة المستقبل وحماة الوطن ومستقبله المشرق.

ولن يكون الحال مبهجا إذا غاب أحد موظفي البلديات الذي ينتظره المراجعون لاستخراج رخصة جديدة، أو تجديد رخصة منتهية الصلاحية، أو أداء أي عمل آخر يتعلق بعمل الناس، وسكنهم، وإصلاح شوارعهم، وتنظيف حدائقهم العامة، وغير ذلك من أعمال بلدية كثيرة ومهمة.

أما غياب الطبيب، أو الممرض، أو الفني عن المستشفى فهو بالتأكيد يقلل كثيرا من هيبة وزارة الصحة بل الأسوأ من ذلك أنه يعرض حياة الناس للخطر خاصة الذين يعانون الأمراض المزمنة ويحتاجون للعلاج باستمرار.

وليس حال وزارة العدل بأفضل من الوزارات السابقة. فتخيل أن لك ميعادا في المحكمة جاءك بعد انتظار طويل ولكنك عندما تصل للمحكمة بعد طول عناء وشقاء تفاجأ بأن القاضي لم يحضر إلى المحكمة في ذلك اليوم، وعليك الحصول على موعد جديد قد لا يكون أفضل حالا من سابقه.

وكذا الحال بالنسبة لكتاب العدل فإن غياب أحدهم يعطل المعاملات ويؤدي إلى تكدسها. وإذا كان هذا حال المواطنين فإنه لا شك قد أثر سلبا على أداء الوافدين الذين استقدمناهم للمساهمة في تنمية بلادنا.

فقد ذكرت وزارة العمل في تقرير إحصائي - نشرته إحدى الصحف المحلية في بداية هذا الأسبوع - أن نحو 531 ألف وافد قد تغيبوا عن العمل في القطاع الخاص عام 2014 منهم 43% غياب داخلي و57% خرجوا بتأشيرة خروج وعودة ولم يعودوا!.

وقالت الوزارة إن العمالة المنزلية المتغيبة كانت 76.549 منهم 52.096 عاملة منزلية و24.453 عاملا منزليا من سائقين وغيرهم.

الغياب عن العمل ظاهرة ليست جديدة فقد كانت موجودة في الزمن السابق وهي موجودة الآن، وستستمر في المستقبل إن لم نأخذ الإجراءات الصارمة لوقف هذا التسيب.

ومما يحز في النفس أن تجد هذه الظاهرة متفشية في الوزارات والإدارات رغم جهود الحكومة المضنية لتحقيق الإصلاحات وترقية الأداء.

ولا يساورني أدنى شك بأن حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - يحفظه الله - ستغض الطرف عن هذه الظاهرة السيئة، ولن تقبل بالتقاعس من أي طرف كان، وستضع الجميع أمام مسؤولياتهم.

لقد تم إقرار الميزانية العامة للدولة مؤخرا ولا شك أن أي وزارة قد تلقت الآن نصيبها المقرر من الاعتمادات، ولا ينبغي غير أن تتحرك الوزارات والإدارات الحكومية الأخرى لتنفيذ خططها وبرامجها بدون تسيب أو تغيب.

لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى ونحن لن نقبل أي تسيب من أي مسؤول حكومي مهما عظم شأنه أو ارتفعت مكانته. وإذا كنا لا نقبل هذا السلوك السلبي من الوزير فإننا بالضرورة لن نقبله من صغار الموظفين.

إن التحجج بالإرهاق وكثرة العمل لم يعد يجدي. والتحجج بالمشاكل الأسرية لا طائل منه لأنه لا دخل للأسرة في عمل الموظف الذي منه تقتات وتعيش.

أنا لا أقول إن الموظفين ماكينات يجب أن تعمل بدون توقف لأنهم في نهاية الأمر بشر قد تكون لهم الأعذار المقبولة للتغيب عن العمل، لكن يجب ألا يكون هذا الموضوع ظاهرة تسري في عروق كل الوزارات والإدارات الحكومية خاصة المرتبطة بجماهير الشعب.

إننا نريد أن نبني بلادنا، والبناء يكون بالإنتاج، وعجلة الإنتاج تتوقف بسبب الغياب والتسيب. كما نريد لهذا البلد الكريم المعطاء أن يكون القدوة والمثل للدول الأخرى ليس فقط في الانضباط وأخلاقيات العمل، لكن أيضا في غزارة الإنتاج وتطوير وسائله.

almaeena.k@makkahnp.com