أنت أنا أقل من دقيقة تجسد معنى الإيثار

يسرد الفيديو الذي لم تتجاوز مدته 46 ثانية حكاية معاناة اختصرتها طفلة في لحظات انتظار معدودة، حيث ترجلت عن سريرها لتقف أمام النافذة في برهة من الشرود وبأمل تبسم له ثغرها تعود الطفلة وقد انتشلت حقيبة صغيرة من على المنضدة، تشبثت بين أناملها وهي تبحث عن مساحة بحجم قامتها للوثوب عليها وتفرغ ما بها، بضعة أغراض بعثرت على الأرض يظهر من بينها «مقص» على ما يبدو أنها كانت تبحث عنه

يسرد الفيديو الذي لم تتجاوز مدته 46 ثانية حكاية معاناة اختصرتها طفلة في لحظات انتظار معدودة، حيث ترجلت عن سريرها لتقف أمام النافذة في برهة من الشرود وبأمل تبسم له ثغرها تعود الطفلة وقد انتشلت حقيبة صغيرة من على المنضدة، تشبثت بين أناملها وهي تبحث عن مساحة بحجم قامتها للوثوب عليها وتفرغ ما بها، بضعة أغراض بعثرت على الأرض يظهر من بينها «مقص» على ما يبدو أنها كانت تبحث عنه

ما تخفيه هذه الطفلة لم يكن إحدى النزعات العدوانية، أو داء فرط الحركة الذي يصاب به الأطفال عادة، بل هو نوع من «التكنيكات» العلاجية الذي يغفل عنها البعض، فإقدام طفلة لم تودع عامها السادس لتعلن تخليها عن «شعرها»، أحد دلالات أنوثتها، ما هو إلا «نضج وطليعة متعقلة» ويَظهر الفيديو فقط لحظات وربما دقائق، تعود فيها أسرة الطفلة، حيث اندهش والداها _ يتوسطهما ابنهما المصاب بمرض السرطان - من مظهر طفلتهما الجديد ثوان معدودة جسدت واقعا مريرا يعيشه المرضى، حتى زاحمت على جسر العالمية أشهر الأفلام ، بعد أن حاز هذا الفيلم القصير على جائزة مهرجان كان السينمائي المقام في مدينة كان بفرنسا، من عام 2006م عن فئة أفضل فيلم قصير أن تتنازل عن أشياء تملكها لتسهم في إسعاد غيرك، لا يعني أنك تتهاون في صعود سلم حقوقك الذاتية، ولا تصنف كالذين نسوا أنفسهم فتناستهم الحياة وفارقهم الحظ، فقط القليل من التفكير بالغير سيبهجك ويغنيك عن الكثير من «طمع الذات وخصخصة الفائدة لها» بديهيا، الأمراض متعددة وكذلك المصابون بها وأسبابها، ولكن ماذا لو اتخذنا من «طفلة الإيثار وشقيقها المصاب بمرض السرطان»، أنموذجا للمشاركة بعلاج أسري أو مجتمعي؟ فغالبية المصابين بالأمراض القاتلة بحسب اعتقادهم في العقل الباطن لهم، هم أموات يسيرون على الأرض، فما يلحقهم من أذى نفسي ومجتمعي يكمن في أزمتهم الكبرى، ألا وهي «الصدمة الأولى» من خبر حملهم لداء قد يحدد مصيرهم منذ الوهلة الأولى يبدأ العد التنازلي لأيام يتخبط ميزانها وأطوار الحسرة والقلق والانفعال ما هي إلا حالة من الإنكار والحداد الذي يجثم على ما تبقى لهم من مسيرة عمرية «أنت أنا» عليه أن يسجل حضوره في الذاكرة، فالاعتراف بوجوده يعني «الإنسانية» الكفيلة باقتحام عزلة المريض الاجتماعية، لتنصهر معها كل حالات الفزع والفقد والغربة