الأمثال في القرآن الكريم
الأمثال لها تأثير في القلوب، وفيها من الحكمة الكثير.. وهى أبلغ فنون الكلام. ولذلك فقد حفل بها القرآن.. وجعلها الله من دلائل رسله، وأوضح بها الحجة على خلقه، لأنها في الأذهان معقولة، وفي الأسماع مقبولة.. (ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون).
الاحد / 24 / صفر / 1437 هـ - 15:00 - الاحد 6 ديسمبر 2015 15:00
الأمثال لها تأثير في القلوب، وفيها من الحكمة الكثير.. وهى أبلغ فنون الكلام. ولذلك فقد حفل بها القرآن.. وجعلها الله من دلائل رسله، وأوضح بها الحجة على خلقه، لأنها في الأذهان معقولة، وفي الأسماع مقبولة.. (ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون). ولقد ضُرِب في القرآن من كل مثل حتى لقد صار «علم أمثال القرآن» من أعظم علومه، وشملت أمثاله كل مسائل العقيدة، يقرّب بها المجرّد ويصوّره محسوسا ماديا، ويصوغه خبرات من المشاهد اليومية من حياتنا العملية، فيها العلم والسداد، ومكارم الأخلاق، وشرف العمل، وشؤون الناس والأفراد، والعائلات والدول والمجتمعات، ومسائل الزواج والطلاق، وقضايا الدنيا والدين، وقصص من التاريخ عن الذين خلوْا موعظة للمتقين. كقوله تعالى (ولا يأتـونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا) آية 3 الفرقان.. يصحح بها حجج المعترضين، وروايات المتخرصين، ويسرد صحيح القصص، ويفسرها بلا تحريف. ولقد يسّر الله لي خلال رحلاتي بعض الوقت الذي أنفرد فيه بنفسي، ما استطعت، لقراءة مختارات أنتقيها وأحرص على تنوعها، فالقراءة عندي نعمة أحب التمتع بها ما وجدت إليها سبيلا.. واطلعت وتأملت في مطبوعة «موسوعة القرآن الكريم» التي تقع في جزءين طبعة 2004 للدكتور: عبد المنعم الحفني، جزاه الله خيرا، وهى موسوعة شاملة لمصطلحات القرآن الكريم، ولقصصه، وأمثاله.. ولقد استوقفني فصل الأمثال في القرآن الكريم.. وهو دليل قائم وما زال يتجدد، أن هذا الكتاب العظيم، هو معجزة لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه دستور الحق الصالح لكل زمان ومكان، مهما اختلفت الثقافات وتلاطمت الأزمات، وتنوعت أنماط الحياة وسبل العيش. بدليل أننا ما زلنا، والحمد لله، إلى يومنا هذا وسنبقى حتى يرث الله الأرض وما عليها، نلجأ إلى حكمه وأمثاله بحثا عن أدلة الإقناع وسبل الاقتناع. كيف لا وهو القرآن العظيم وكلام الله المبين.. الذي لا يرقى إليه شك ولا يقدر على بعض من مثله بشر. (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا)، الكهف الآية 109. ذلك الكتاب السماوي الخالد، المعجزة التي تحدى بها الله أهل اللغة وبذات لغتهم، وأهل الفكر بكل ما كانوا يملكون من فهم وفكر. وصدق تعالى حين قال (ولو أنّما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات اللّه إِنّ اللّه عزيز حكيم )، لقمان الآية 27، والمراد بهاتين الآيتين الكريمتين إخبار الناس جميعا بكثرة المعاني في كلمات الله، والتي ليس لها حدود أو نهايات، ولكنه عزّ وجلّ قربها ووضحها للناس ليفهموها كل حسب ثقافته وزمانه.. بل ما سيصلون إليه من معرفة أوعلوم، وسبحان من قال (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا). ومن آيات القرآن التي نرددها اليوم وغدا وحتى قيام الساعة: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) البقرة الآية 44. وهى آية نستطيع أن نتلوها، بل ونصرخ بها في وجه أولئك الذين يدّعون الهداية ويدعون إلى الخير.. وهم ناؤون بأنفسهم عن ممارسة ما يدعون الناس إليه ويأمرونهم به. ذلك المدعي أنه يعلي راية الله في الأرض، وهو في الواقع يزلزل الأرض تحت هذه الراية، ذلك الذي يقرأ على الناس قوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) البقرة 195، ثم يقنع الشباب الغضّ أنه إذا فجّر نفسه وقتل الأبرياء سوف يذهب الليلة إلى الجنّة، ويتعشى مع الرسول الكريم، أولئك الذين ينطبق عليهم قوله عزّ وجلّ (ومن الناس من يعجبك قوله..) البقرة 204. نعم وهو في الحقيقة من أشد الخصام، أولئك الذين اتخذوا من آيات الله دافعا لعكس ما جاءت به، ونسوا قول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 217 (والفتنة أكبر من القتل)، فدفعوا المغرر بهم من شباب الأمة أولادا وبنات إلى الفتنة وأرسلوهم إلى القتل. ولقد ضرب الله لنا من الأمثال ما لو تدبرناها ووعيناها بأنفسنا، لما احتجنا داعية سوء أو شيخ ضلال.. حين قال جلّ من قائل في سورة البقرة أيضا في الآية 103 (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا..) وكأنه كان يحذر الذين جعلوا دينهم شيعا. وتستمر الحكم والأمثال في هذه السورة العظيمة متوالية جلية.. وما زالت للناس مثلا يستدلون به ويرددونه (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة الآية 2، فاستغل الجهلاء المتجاهلون الدعوة إلى البر ليجعلوها وقودا للإثم والعدوان، فويل لهم مما كسبت أيديهم.. وتأتي الآية الحاكمة في سورة المائدة، الثانية والثلاثون: (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا). نعم نسوا أن من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.. ولكن سبحان القائل (قل كل يعمل على شاكلته) وهى من الأمثال التي ضربها الله تعالى لخلقه في كتابه الكريم في سورة الإسراء الآية 84. ويمضي القرآن الكريم في أمثاله الحكيمة وحكمه التي صارت للناس موعظة ومثلا.. ومنها: (فصبر جميل) يوسف الآية 18، و(الآن حصحص الحق) (51) وهى دعوة صريحة لاستعمال الصبر الجميل عند اشتداد البلاء مع العمل على دفعه وتجنبه أملا في الله وعملا بهدي الله.. قالها يعقوب لأبنائه احتسابا لغياب يوسف ودون أن يفقد الأمل في عودته، فعاد يوسف وارتد يعقوب بصيرا. (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) الأحزاب آية 4.. ولقد فسر الإمام الشيخ الشعراوي، يرحمه الله، هذه الآية حين سئل: لماذا قال الله تعالى لرجل ولم يقل للناس أو للإنسان؟ فقد جرت العادة بإطلاق العموم.. فقال: إنها عظمة الله ودقة المعاني في كتابه الكريم.. لو قال كما قلتم - للإنسان أو للناس - لما طابقت الآية المعنى المراد بها، ذلك أن المرأة قد يكون في جوفها أكثر من قلب حين تكون حاملا بمولود أو عدة مواليد معا.. ولكنه اختار جنس الرجل لأنه لا يمكن أن يكون له أكثر من قلب وهو قلبه الذي في جوفه. ويضرب هذا المثل في الغالب لمن يشغل نفسه بأكثر من أمر في ذات الوقت. وهى دعوة وتأكيد على ضرورة التركيز في العمل حتى يتم إنجازه بالدقة والاهتمام المطلوبين. وفي سورة فاطر الآية 14 (ولا ينبئك مثل خبير) تأكيد على تقدير الخبرة وتثمينها للوصول إلى أفضل النتائج ومفيد للعمل. وهو التطبيق الذي خصص له الناس هيئات ومستشارين بحثا عن أفضل طرق النجاح والفلاح.. ويحذّر الله خلقه عبر أمثال القرآن وحكمه البليغة التي يمكن لكل أريب فطن ولكل متأمل دقيق أن يفهم معناها ويصل إلى حكمتها البالغة. وقال تعالى (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) القيامة 36. ولأن الموضوع يتطلب الكثير من الصفحات والعديد من المقالات فإني أرجو الله أن يمهلني ويتفضل عليّ بالقوة حتى أكمله إن شاء الله. (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى) البقرة 263. صدق الله العظيم.