بقلوب مرهفة ومشاعر يملؤها الحزن، يغسلون الموتى بالسدر، ويطيبونهم بالكافور، ويلبسونهم ثيابا بيضاء، قد يكون البعض منهم أصدقاء بينما الكثير منهم لا يعرفونهم، هي قصص وأسرار يقف عليها مجهزو الأموات. إنهم رجال لا يعني لهم المقابل المادي الكثير، بل يعدون ذلك عملا يقربهم إلى الله طلبا للمغفرة، منظر الجثث لا يرعبهم، فكما قال الشاعر ابن نباتة السعدي: من لم يمت بالسيف مات بغيره .. تعددت الأسباب والموت واحد، فهناك من يموت بصورة طبيعية، وآخر نتيجة حادث أو حريق أو غرق أو قصاص أو دهس أو انفجار أو غيرها من النهايات المأساوية، وبغية الاحتساب يجبرهم عملهم على تحمل أنواع المشاهد القاسية التي يرونها كل يوم. يجد بعض العامة نفورا من حضور أحد المغسلين إلى مأدبة أو مجلس، وتبقى الأنظار تتأمل راحتيه، ولسان حالهم يقول: يا ترى .. هل ستقلبنا كفاه كمن سبقونا؟ غاسلو الأموات ليسوا من كوكب آخر، فهم جزء لا يتجزأ من المجتمع، بل يجيدون التعامل بشكل جميل مع الآخرين، فهم يحملون قلوبا ومشاعر لا يملكها سواهم، ونتيجة للمناظر البشعة التي غالبا ما تحتل أجزاء من ذاكرتهم، تجد العبر تملأ «شراشيرهم»، فالراحل الذي رزق بخاتمة حسنة طبعت في قلب مغسله، تنقل للأسماع، لعل هداية أحدهم تكون منها، ومنهم من يصل في صور يندى لها الجبين، وهي كذلك تنقل إلى المجالس بهدف العظة والعبرة. «مكة» التقت مدير مغسلة الأموات الخيرية بجامع المهاجرين بمكة المكرمة ممدوح فرحان، الذي أكد أن مراحل غسل الميت تطورت من حيث المكان الذي يتم فيه الغسل أو تدريب الأيدي العاملة، وقال: ما من عمل من الأعمال في أي مجال إلا وتكون نشأته بسيطة، ثم يبدأ بالتطور والتوسع، والواقع أن المغسلة أنشئت في 1424، وكانت بداية لا بأس بها بطاقم محدود من العاملين وكذلك السيارات ومبنى صغير، ثم أخذت الأمور بالتمدد والتوسع مع زيادة أعداد الحالات والانتقال إلى مبنى كبير يستوعب حالات أكثر، وزادت أعداد السيارات والعاملين وجميع منسوبي المغسلة، إلى أن وصل الأمر إلى غسل وتجهيز 6872 حالة وفاة خلال 1435، ويعد العدد سابقة خلال عام واحد فقط، مبينا أن المغسلة تخدم منطقة مكة بالكامل. وحول العنصر الأساسي المستخدم في أدوات النظافة لغسل الميت، بين أن الماء والسدر يفضلان في عملية الغسل كما نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بخلاف بعض المواد الأخرى المخصصة للنظافة التي يمكن استخدامها في حال وصول جثث يغطيها النزيف جراء حادث أو غيره. وأضاف فرحان أن الحالات العادية التي غالبا تكون الوفاة فيها نتيجة أسباب طبيعية لا تحتاج إلى أدوات نظافة بكميات كبيرة، ويكفيها من السدر ما يملأ الكفين المعتدلتين ومجموعتين وأربعة قوالب من الكافور، ومثلها من المسك، أما الوفيات الناتجة عن حوادث مرورية فتحتاج غالبا كميات مضاعفة من المنظفات والأدوات الأخرى. وأشار إلى أن الوقت المستغرق في غسل الميت يختلف من حالة إلى أخرى، ففي الحالات الطبيعية يستغرق من 25 - 30 دقيقة، أما حالات الحوادث أو ذات الحجم الكبير فتستغرق وقتا أطول. وبين مدير مغسلة الأموات الخيرية بجامع المهاجرين أن المستشفيات تعد الجهة المختصة بإصدار تصريح الدفن، حيث تملك المغسلة سيارات متمركزة في مستشفيات العاصمة المقدسة على مدار الساعة، وفي حال أتمت أسرة الميت إجراءات استخراج تصريح الدفن يباشر سائق السيارة المتواجدة في الموقع نقل الجثمان إلى المغسلة، بعد التأكد من وجود تصريح الدفن الرسمي، إلى جانب وجود خطابي تبليغ الوفاة وتصريح الدفن الصادرين من إدارة المستشفى. وألمح إلى وجود شروط يجب توافرها في المتقدم لأداء الغسيل، أهمها أن يكون ملما بأحكام تغسيل الجنائز، مع اجتياز اختبار المغسلين والذي يجريه فرع الشؤون الإسلامية والأوقاف، إلى جانب تطوير أداء المنتسبين باستمرار من خلال إخضاعهم لدورات تدريبية متعددة، منها دورات شرعية وتطويرية في فن التعامل مع الآخرين. عن المغسلة: • متوسط البلاغات في اليوم الواحد 22 ـ 27 جنازة. • أسهمت في غسل 62.586 ألفا حتى نهاية العام الماضي. • عدد المغسلين من الرجال: 6 • عدد المغسلات من النساء: 7 مواصفات الكفن: • من الأنواع الممتازة (درجة أولى). • يتميز بسماكته ونعومة ملمسه. • يستورد من باكستان. • الأمتار التي تستهلكها الجثة من قماش الكفن تتراوح بين: 150 سم ـ 180 سم ـ 240 سم