قصة فيها عبرة

سأكتبها كما رواها محدثها حيث يقول: ركبت الطائرة وجلست في مقعدي في جناح الدرجة الأولى، ولفت نظري الشخص الجالس بجواري فقد كان ضخم البنية عريض المنكبين كث الشارب يرتدي بشتا وتظهر عليه آثار البداوة بوضوح

سأكتبها كما رواها محدثها حيث يقول: ركبت الطائرة وجلست في مقعدي في جناح الدرجة الأولى، ولفت نظري الشخص الجالس بجواري فقد كان ضخم البنية عريض المنكبين كث الشارب يرتدي بشتا وتظهر عليه آثار البداوة بوضوح. كنا صامتين حتى أقلعت الطائرة وجاءت المضيفة فحدثها بلغة إنجليزية ولكنة أمريكية متقنة جدا، ثم نهرها بشدة معترضا على ما جاءت به، فعادت أدراجها في خجل وجاءت له بالمطلوب. تعجبت ـ كما يقول الراوي ـ من إتقانه الإنجليزية بطلاقة رغم بداوته الواضحة فقلت متسائلا: أنت تجيد الإنجليزية بطلاقة، أين تعلمتها؟نظر إلي مبتسما وقال: أنا أمي لا أعرف القراءة والكتابة، أدهشني قوله إلى حد كبير، أدرك ذلك واتبعه بقوله: إليك قصتي..أنا أمي وكانت مهنتي حارسا لشركة التابلاين ومن طباعي حب التعلم وسرعة البديهة وحب العمل، فأتقنت اللغة الإنجليزية من الأمريكيين وكانت لي مكانة بينهم جيدة، فكانوا يأخذونني في رحلات التنقيب والبحث عن النفط. ثم بعد سنوات طويلة من العمل جاء قرار بفصلي، قبلت بذلك غير أن أصدقائي من الأمريكيين طلبوا مني رفع شكوى والمطالبة بتعويض، قبلت بعد إصرارهم وإرفاقهم بتزكية مع الخطاب. وبعد شهرين جاء الرد متضمنا تعويضا بمقدار مليوني ريال، وفي ذاك الوقت كانت المليونان تقدر بأكثر من عشرة ملايين في وقتنا الحاضر. فشعرت أني أملك مالا لا ينفد، وأخذت أصرفه يمينا وشمالا حتى لم يبق لي منه شيء وأصبحت فقيرا معدما. ثم في أحد الأيام أقبل علي رجل يخبرني أن ابن عم لي سيصل مساء قادما من سفر بعيد، ولم أكن أملك قيمة الذبيحة لأقدم له واجب الضيافة. فضاقت بي الأرض بما رحبت، وخرجت للصحراء لشدة ما بي من هم وكنت أتمنى لو تبتلعني رمال الصحراء ولا أعود. وأنا على ذلك النحو أفكر بمفردي، إذ أقبل علي رجل ومعه قطيع من الغنم والماعز، ويريد من يأخذ قطيعه بأبخس الأثمان لأنه لا يستطيع السفر به إلى العراق. ولكني لم أكن أملك نقودا اشتري به شيئا مما عنده، فقال لا بأس حين أعود بعد شهرين تعطيني مالي. قبلت بعد تردد لأني لم أكن أعرفه، كما أنني كنت أجهل بيع وشراء القطعان، واتفقنا على أن أشتري منه الأغنام دون الماعز. ونحن على تلك الحال إذا بسيارة مسرعة نحونا، وطلب منا سائقها شراء القطعان بأي ثمن نريده، فأخذ مني الأغنام بثلاثين ألفا واشترى من الرجل العراقي الماعز وانطلق، وقد كان العراقي وفيا شهما، حيث أخبره أن الأغنام ملكي بناء على الاتفاق الذي دار بيننا. واليوم كل هذا الخير الذي أنا فيه من تلك الثلاثين ألفا، فقد عزتني حين ذلني المليونان. هذه القصة باختصار وهي غنية عن التعليق، فلن أضيف عليها شيئا، غير أني أقول: الرزق على الرب والسعي على العبد.