عبدالله المعطاني

لا زلت، إلى يومنا هذا، أتذكر محاضرات أستاذنا الدكتور عبدالله سالم المعطاني في النقد الأدبي القديم، والأدب العباسي، والمصادر الأدبية واللغوية، ولا يزال صوته وهو يطوف بنا في غابة التراث النقدي والأدبي عالقا في ذاكرتي، فأستعيد، حين أستعيد تلك الأيام، جزءا عزيزا من العمر، وقد كان كل شيء جديدا فتيّا، يبعث على الدَّهَش والفتنة، حين ألفيتُني، وكأنني إزاء ذخيرة من الكنوز التي تكشفت لي، وكنت كلما ظفرت بشيء منها، إذا بآخر يلوح لي، فأنشط للِّحاق به، فعسى أن أظفر بمخبَّآته، وعسى أن تسعفني طاقتي فأستطيع تمثُّل ذلك الجديد الباهر.

لا زلت، إلى يومنا هذا، أتذكر محاضرات أستاذنا الدكتور عبدالله سالم المعطاني في النقد الأدبي القديم، والأدب العباسي، والمصادر الأدبية واللغوية، ولا يزال صوته وهو يطوف بنا في غابة التراث النقدي والأدبي عالقا في ذاكرتي، فأستعيد، حين أستعيد تلك الأيام، جزءا عزيزا من العمر، وقد كان كل شيء جديدا فتيّا، يبعث على الدَّهَش والفتنة، حين ألفيتُني، وكأنني إزاء ذخيرة من الكنوز التي تكشفت لي، وكنت كلما ظفرت بشيء منها، إذا بآخر يلوح لي، فأنشط للِّحاق به، فعسى أن أظفر بمخبَّآته، وعسى أن تسعفني طاقتي فأستطيع تمثُّل ذلك الجديد الباهر. كان الدكتور عبدالله المعطاني أقرب أساتذة قسم اللغة العربية وآدابها، بجامعة الملك عبدالعزيز، إلينا، كان شابّا ممتلئا بالحياة، تقرأ في قسمات وجهه حبّا عظيما لما يعالجه في دروسه ومحاضراته، ينفحنا بشوارده التي استمدَّها من قراءاته الواسعة في التراث العربي القديم، وبخاصة كل ما له صلة بالتراث النقدي، والأدب العباسي والأندلسي، بل كل ما له صلة بآدابنا القديمة، ترفده في ذلك ذاكرة متينة، ولغة سمْحة، وقدرة عجيبة فذة على تمييز الأقوال النقدية، والوقوف عندها طويلا، متأملا، ومفسِّرا، لا يكاد يترك شاردة ولا واردة من كلام نقاد الأدب القديم، ولا كتابا فيه تفصيل عن هذا الشاعر أو ذلك، إلا وساق طرفا منه في محاضراته، تلك الغنية الماتعة اللذيذة. ومنذ دروسه الأولى في النقد العربي القديم، ومحاضراته في الأدب العباسي والمصادر اللغوية، ما بين عامَي 1406 و1407هـ، وحتى الوقت الحاضر، انكببتُ على قراءة جملة صالحة من كتب النقد والأدب، وربما اتفق لي أن أقرأ باحثا ومفتِّشا في غير كتاب، ومن المؤكد أنه تبدَّل من أفكاري ما تبدَّل، ولكنْ، على طول تلك المدة، كان يقوى في عقلي، وفي ذاكرتي، أنَّ قراءاتي، مهما اتسع مجالها في أدبنا القديم ونقده، لم تستطع، بعد، أن تضيف شيئا جديدا على تلك الدروس التي كان أستاذنا الدكتور عبدالله المعطاني يلقيها علينا، بل إنني واجد أثرها قويّا بيِّنا، حين أرجع إلى نفسي، فأجدني، مهما طال العهد، أردِّد تلك الأقوال النقدية التليدة دون أن أخرم منها حرفا، فإذا تأملتُ حالي، رجعْتُ ما استظهرتُه، وما استقرَّ في عقلي، إلى محاضرات أستاذنا الجليل! وكان من فضل الله علينا، أن أساتذتنا، في تلك الحقبة، لم يعرفوا ما ابتُلِيَ به الدرس الجامعي، حين تحولت الدروس والمحاضرات إلى «مذكرات» ضعيفة بليدة، لا تقدم علما، ولا تبني عقلا، وكنا قد اعتدنا أن نستقبل أستاذنا الدكتور عبدالله المعطاني، بإطلالته البهية، وقد حمل بكلتا يديه كتبا في الموضوع الذي عليه مدار الدرس، وكان سلوكه ذلك منهجا في التثقيف والمعرفة، يفتتح درسه، ثم لا يلبث أن يرشدنا إلى هذا الكتاب أو ذلك من كتب تراثنا الأدبي والقديم، فاتَّصلتْ أسبابي، بسبب أستاذنا الجليل، بأصحّ النشرات، وأعلام المحققين، وعرَّفتْني محاضراته كتبا نادرة، ربما كان لي أن أنتظر سنوات حتى أعرفها، ودارسين وباحثين أسعدني الحظ أن عرفتُهم في تلك الحقبة المبكرة من حياتي، وأدركت، بعد كل هذه السنين، أن الدكتور عبدالله المعطاني، لم يكن من همه أن يزجي إلى طلابه دروسا، يستظهرونها، ثم لا يلبثون، إذا حان أوان الاختبار، أن يسطروا ما استظهروه، ليفوزوا بالنجاح ويظفروا به. لا.. لم يكن ذلك همه، إنما كان الذي يهمه أن يأخذ بأيدينا إلى فقه النص في تراثنا القديم، وأن نتجه إلى دواوين ذلك التراث، من دون أن نوسِّط ما بيننا وبينه وسيطا، وأن نحسن تدبُّر ما نقرأ، وأن نحب تلك النصوص، فإذا أحببناها، لانت وسلست وطُوِّعتْ بين أيدينا.