وداعا معرض الكتاب
السبت / 24 / ربيع الثاني / 1441 هـ - 21:30 - السبت 21 ديسمبر 2019 21:30
أغلق معرض الكتاب الدولي الخامس بمدينة جدة أبوابه أمس، ليبتدئ الناشرون مع إطلالة هذا الصباح رحلتهم إلى معرض آخر، وحكاية كرنفال معرفي جديد، وذلك هو قدرهم الذي ارتضوه، وشغفهم الذي أنفقوا حياتهم من أجله، ولكن هل ينطبق قولي هذا على كل الناشرين ودُورِهم؟
وبالمقابل، هل كل من سَرى بقدمه في أروقة المعرض ودروبه هم من العاشقين للمعرفة، الذين خَبَروا بمُدركاتهم السليمة، ووعيهم المكتسب، قيمة الكتاب وأهميته؟ وبالتالي صار لديهم مَلَكَة التفريق بين الكتاب النافع، والآخر الزَّبد الذي يذهب جفاء، ولا يسمن ولا يغني من جوع؟
كذلك فمع إشراقة هذا اليوم تنتهي الدورة الخامسة من المعرض، وهي نهاية حقبة أولى من عمر معرض الكتاب بجدة بعد الإحياء، تولى أمر رعايته والإشراف على تنظيمه بشكل مباشر محافظة جدة، وبات من المفترض أن تنتقل المسؤولية بشكل كامل إلى وزارة الثقافة (في حال استمرار تنظيم المعرض بجدة للسنوات القادمة).
وكم هي المسافة قصيرة بين الدورة الأولى عام 2015م، التي كان لي شرف المشاركة في تنظيم برنامجها الثقافي ومتحف الفنون وعديد من فعالياتها بإشراف السفير سعود كاتب؛ والدورة الخامسة التي اختتمها الناشرون أمس وفي وجه كثير منهم ملامح حزن بادية، ليس لانتهاء الفترة، وإنما لعدم بلوغ المعرض التطلعات والآمال التي راموها حال المشاركة، ولعلي لا أكون مبالغا إن قلت إن ذلك كان رأي كل من قابلت من الناشرين الكبار وغيرهم، بل وصل ببعضهم إلى أن يُسوق كتبه وكأنه في حراج، برفعه لافتة مكتوب عليها «اشتر ثلاثة كتب واحصل على الرابع مجانا»، فهل بعد ذلك قول يمكن أن يُقال؟
على كلٍّ، الأمر جلل، ويستحق أن تتشكل له إدارة متخصصة في تنظيم معارض الكتاب بشكل خاص، قادرة على خلق أفكار متجددة، وتوثيق عرى التواصل بين الناشر والمؤلف أولا، ثم بينهما والجمهور المتلقي ثانيا، وفق رؤية ثقافية سامية، تنطلق من فحوى الاستراتيجية الوطنية للمعرفة، وتعمل على تجسيد معالمها ضمن إطار المجتمع بوجه عام؛ وهو ما كنت أنادي به عبر مقالات قديمة، ولقاءات متلفزة، وللأسف فلم يكن لحديثي أي رجع صدى حتى اليوم.
وفي الإطار العملي فمهم أن يتم فتح حوار معمق مع الناشرين العرب للوصول إلى صيغة مقبولة لسعر الكتاب المعروض، وفي المقابل يتم التفاهم لتحديد قيمة سوقية مقبولة وعادلة للمتر المربع، وفق القاعدة الفقهية المحكمة «لا ضرر ولا ضرار»، مع التنبه إلى التفريق بين من يطبع بنظام «الديجتال» والنظام التقليدي، إذ لن يتكلف الأول أي قيمة تخزينية، لكونه سيطبع عددا محدودا من الكتب لا يتجاوز خانة العشرات، في حين يتكلف الثاني طباعة الألف نسخة كحد أدنى من الكتاب الواحد، ناهيك عن جودة الطباعة ومتانة التجليد، وما إلى ذلك من الأمور الفنية التي أراها واجبة الحضور في ذهن إدارة المعرض كجهة تنظيمية، واتحاد الناشرين العرب كشريك رئيس يهمه الرقي بصناعة الكتاب ومنع الزيف عنه.
وفي تصوري يستتبع ذلك أيضا النظر في هوية المحتوى المطبوع من حيث جودته ومتانته، إذ ليس مقبولا لأي مدير معرض مسكون بالهم الثقافي، أن يتصدر المشهد دُورٌ هامشية في محتواها، عملت على تسويق مشاهير «السناب» و»السوشال ميديا»، وهو ما بات مشاهدا اليوم في معارض الكتاب الخليجية على وجه التحديد، في حين تتوارى تلك الدور المعرفية الأصيلة بكتابها ومتانة محتواها، وبالتالي نساهم في تيه المحتوى الأصيل الذي تم تنظيم المعرض أساسا من أجل أن يصل للقارئ، فهل يُقبل ذلك أخلاقيا؟
أشير أخيرا إلى أهمية أن تتبنى الهيئة العليا لتطوير منطقة مكة المكرمة إقامة مركز دائم للمعارض بأحدث المواصفات في محافظة جدة، وليته يكون بأرض المطار القديم ليخدم كل أرجاء مدينة جدة وما جاورها، وليس الأمر صعبا إن توفرت الإرادة، واهتم بيت التجار بجدة للأمر، ولا سيما أنه مشروع مربح اقتصاديا ومعنويا، فهل سيتحقق ما رجوته مرارا وتكرارا قريبا؟
@zash113
وبالمقابل، هل كل من سَرى بقدمه في أروقة المعرض ودروبه هم من العاشقين للمعرفة، الذين خَبَروا بمُدركاتهم السليمة، ووعيهم المكتسب، قيمة الكتاب وأهميته؟ وبالتالي صار لديهم مَلَكَة التفريق بين الكتاب النافع، والآخر الزَّبد الذي يذهب جفاء، ولا يسمن ولا يغني من جوع؟
كذلك فمع إشراقة هذا اليوم تنتهي الدورة الخامسة من المعرض، وهي نهاية حقبة أولى من عمر معرض الكتاب بجدة بعد الإحياء، تولى أمر رعايته والإشراف على تنظيمه بشكل مباشر محافظة جدة، وبات من المفترض أن تنتقل المسؤولية بشكل كامل إلى وزارة الثقافة (في حال استمرار تنظيم المعرض بجدة للسنوات القادمة).
وكم هي المسافة قصيرة بين الدورة الأولى عام 2015م، التي كان لي شرف المشاركة في تنظيم برنامجها الثقافي ومتحف الفنون وعديد من فعالياتها بإشراف السفير سعود كاتب؛ والدورة الخامسة التي اختتمها الناشرون أمس وفي وجه كثير منهم ملامح حزن بادية، ليس لانتهاء الفترة، وإنما لعدم بلوغ المعرض التطلعات والآمال التي راموها حال المشاركة، ولعلي لا أكون مبالغا إن قلت إن ذلك كان رأي كل من قابلت من الناشرين الكبار وغيرهم، بل وصل ببعضهم إلى أن يُسوق كتبه وكأنه في حراج، برفعه لافتة مكتوب عليها «اشتر ثلاثة كتب واحصل على الرابع مجانا»، فهل بعد ذلك قول يمكن أن يُقال؟
على كلٍّ، الأمر جلل، ويستحق أن تتشكل له إدارة متخصصة في تنظيم معارض الكتاب بشكل خاص، قادرة على خلق أفكار متجددة، وتوثيق عرى التواصل بين الناشر والمؤلف أولا، ثم بينهما والجمهور المتلقي ثانيا، وفق رؤية ثقافية سامية، تنطلق من فحوى الاستراتيجية الوطنية للمعرفة، وتعمل على تجسيد معالمها ضمن إطار المجتمع بوجه عام؛ وهو ما كنت أنادي به عبر مقالات قديمة، ولقاءات متلفزة، وللأسف فلم يكن لحديثي أي رجع صدى حتى اليوم.
وفي الإطار العملي فمهم أن يتم فتح حوار معمق مع الناشرين العرب للوصول إلى صيغة مقبولة لسعر الكتاب المعروض، وفي المقابل يتم التفاهم لتحديد قيمة سوقية مقبولة وعادلة للمتر المربع، وفق القاعدة الفقهية المحكمة «لا ضرر ولا ضرار»، مع التنبه إلى التفريق بين من يطبع بنظام «الديجتال» والنظام التقليدي، إذ لن يتكلف الأول أي قيمة تخزينية، لكونه سيطبع عددا محدودا من الكتب لا يتجاوز خانة العشرات، في حين يتكلف الثاني طباعة الألف نسخة كحد أدنى من الكتاب الواحد، ناهيك عن جودة الطباعة ومتانة التجليد، وما إلى ذلك من الأمور الفنية التي أراها واجبة الحضور في ذهن إدارة المعرض كجهة تنظيمية، واتحاد الناشرين العرب كشريك رئيس يهمه الرقي بصناعة الكتاب ومنع الزيف عنه.
وفي تصوري يستتبع ذلك أيضا النظر في هوية المحتوى المطبوع من حيث جودته ومتانته، إذ ليس مقبولا لأي مدير معرض مسكون بالهم الثقافي، أن يتصدر المشهد دُورٌ هامشية في محتواها، عملت على تسويق مشاهير «السناب» و»السوشال ميديا»، وهو ما بات مشاهدا اليوم في معارض الكتاب الخليجية على وجه التحديد، في حين تتوارى تلك الدور المعرفية الأصيلة بكتابها ومتانة محتواها، وبالتالي نساهم في تيه المحتوى الأصيل الذي تم تنظيم المعرض أساسا من أجل أن يصل للقارئ، فهل يُقبل ذلك أخلاقيا؟
أشير أخيرا إلى أهمية أن تتبنى الهيئة العليا لتطوير منطقة مكة المكرمة إقامة مركز دائم للمعارض بأحدث المواصفات في محافظة جدة، وليته يكون بأرض المطار القديم ليخدم كل أرجاء مدينة جدة وما جاورها، وليس الأمر صعبا إن توفرت الإرادة، واهتم بيت التجار بجدة للأمر، ولا سيما أنه مشروع مربح اقتصاديا ومعنويا، فهل سيتحقق ما رجوته مرارا وتكرارا قريبا؟
@zash113