الرأي

رمزية النقاب

ريم منصور
يعد التغير الاجتماعي أحد أهم ثوابت الحياة الإنسانية في جميع الحضارات الإنسانية، وأيا كان نوع التغير الاجتماعي فهو يخلص في نهايته إلى نتيجة واحدة، وهي اختلاف القيم والمعايير السابقة التي كانت تسود المجتمع، إما بأداة تغيير قسري، أو بتغير طبيعي نتيجة لدوران عجلة الحياة الإنسانية في أفق التطور والتقدم أو التخلف والتأخر.

ومن أهم المتغيرات التي طرأت على المجتمع السعودي في العقد الأخير تغيير الشكل الخارجي للحجاب، والذي تغير معه أحيانا الغرض الرئيسي منه، فنجد أن الحجاب مر بعديد من الأشكال والألوان التي اختلفت حسب اختلاف الأقاليم الاجتماعية أحيانا، وحسب المرجعية للمجتمع نفسه في بداية طريق اختلافها، ثم تطور أمر الاختلاف إلى اختلاف بين أعمار مرتديات الحجاب وأفكارهن ومعتقداتهن تجاه هذا الحجاب.

ليس من مهام هذا المقال مناقشة موضوع أسباب الاختلاف في الأفكار تجاه النقاب أو الفكرة الأساسية لدى النساء التي يختلف بسببها شكل ارتدائها للنقاب أو الحجاب بشكل عام، على سبيل المثال الفروقات في شكل الحجاب حسب اختلاف مستوى التدين لدى النساء، إنما يناقش هذا المقال المعنى أو الرمز الحقيقي لارتداء النقاب في ذهن النساء اللواتي يرتدينه مع اختلاف خصائصهن كنتيجة للتغير الاجتماعي والثقافي.

لم يعد النقاب يرمز كالسابق للفتاة عندما ترتديه إلى تدين هذه الفتاة من عدمه، فقد نجد بعض النساء يرتدين النقاب في مكان معين ولا يرتدينه في مكان آخر حسبما يعني إليه مفهومهن حول هذا المكان وعن ضرورة احتياجها لارتداء النقاب فيه من عدمه.

نجد من النساء أيضا من ترتدي النقاب كرمز للحشمة والستر في مكان العمل على سبيل المثال، ثم تذهب لما هو أعظم من ذلك في أفعالها لكسر الحشمة والستر، فما الفائدة من تغطية الوجه إن لم نحتشم بالأخلاق تجاه الآخرين؟ فليست وظيفة النقاب الأساسية تغطية الوجه لقول وفعل ما نريد دون أن يعرفنا الآخرون، فنجد النقاب في هذه الحالة استخدم كرمزية سيئة بعيدة عن معنى التدين والاحتشام كما هو معروف عنهما.

من النساء أيضا من تستخدم النقاب للحماية من أشعة الشمس، أو لسهولة الخروج به دون وضع أي من مستحضرات التجميل، وتجدها نفسها في المساء تخرج مع صديقتها دون نقاب وبكامل زينتها لأن الوقت سمح لها أن تتزين فلا داعي للبس النقاب!

كذلك ترتدي النقاب بعض الفتيات خوفا أو طاعة لأهلها وذويها لرغبتهم في سترها واحتشامها، ونجد البعض منهن مجرد أن تكون في مكان بعيد عن أهلها تخلع النقاب حتى يحين وقت العودة لأهلها، فترتديه، فهل الاحتشام في هذه الحالة عن الأهل!

من النساء أيضا من ترتدي النقاب كرمز خاص لما يعنيه في مخيلتها وتغطي وجهها، وفي الوقت نفسه ترتدي الملابس القصيرة في الأماكن العامة، وتلبس الخلاخل على ساقيها حتى يصبح شكلهما في غاية الجمال، وتزيّن يديها بألوان زاهية من طلاء الأظافر والأساور اللافتة للنظر، كما يتصف النقاب الذي ترتديه بأنه قصير يظهر رقبتها وطرفا من صدرها عندما تتحرك!

وتقوم بعضهن بعمل تزيين كامل لعينيها قبل ارتداء النقاب مما يظهر الأعين بشكل جميل جدا ومختلف عما لو كان هذا التزين دون لبس النقاب، فتغطية النقاب لما حول العينين يبرز العين بعد تزيينها بشكل أجمل بكثير مما لو كانت دون نقاب! فمن أولى بالستر في هذه الحالة الوجه أم ما تفعله هذه الفتاة بعرضه من زينة في جسدها!

خلاصة الحديث أن النقاب في الوقت الحالي أصبح يستخدم من بعض النساء كرمز خاص لما يعتقدنه من أفكار حوله وحول حاجاتهن الخاصة لارتدائه، وقد شكل هذا السلوك خللا في الهوية لمرتديات النقاب، اللاتي يستخدمنه كرمزية خاصة تابعة للتغير الثقافي والاجتماعي الحاصل، بعيدا كل البعد عن علاقته في مستوى التدين العام، لما يفتقد ارتداء النقاب في الوقت الحالي من احترام الأصل الديني الذي فرضه عليهن، والذي ارتدينه في الأساس من أجله.

@reem05031