الرأي

الجامعات وظاهرة الترويج الإعلامي

بندر الزهراني
يلاحظ أن هناك حركة ترويجية منظمة تشهدها منصات التواصل الاجتماعي لصالح بعض الجامعات، ليس هدفها - كما يبدو في العلن - استقطاب الطاقات البشرية المبدعة، واحتضانها ورعايتها، وإنجاح عمل الجامعة بشكل يدعو للفخر والاعتزاز، لا طبعا، ولكن الهدف الحقيقي من وراء هذه الحملات هو حفاظ المسؤولين على مواقعهم ومناصبهم الإدارية، التي تدر عليهم مبالغ مالية ضخمة، تصرف في الغالب تحت لوائح وبنود نظامية، وهم بذلك كأنما يقولون للمسؤولين في الدولة: انظروا ها نحن نعمل ونسير على خطى الرؤية، ودليل عملهم ليس ما تدونه سجلاتهم أو يسجله المحاسب والرقيب، وإنما ما ينشر عن طريقهم من مقاطع وملصقات «برومو» يطلقونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويتداولها المغردون الوهميون وغير الوهميين.

لا أريد أن أكون متشائما أو أن أنظر لهذا الموضوع من زاوية سوداء، ولكن الواقع يحكي عن نفسه، ولو حاولنا التغافل والتغاضي. خذوا على سبيل المثال: جامعة ناشئة تستضيف نجم كرة قدم لامعا، وتقدمه على أنه شريك للنجاح في برنامجها الرياضي، وهي ما تزال في مخاض الولادة! وجامعة أخرى تستضيف برنامجا تلفزيونيا رياضيا وتبثه من حرمها الجامعي، وجامعة ثالثة بلا أبواب، تبحث عن الإثارة ولفت الأنظار؛ ففيها أول عميدة، وأول مواقف للسيارات النسائية، وأول من سيدرس العزف والغناء، وأول من سيطلق العنان لجدل الفلاسفة، وأول من سيتحدث اللغة الصينية، وهكذا دواليك، وسبق وأن رأينا مدير جامعة يلاعب طلابه «البلوت» في قاعة الدراسة، وآخر يسدد كرة قدم في مرمى الملعب الجامعي، ولا أستبعد أن نرى واحدا منهم من باب التناغم مع الترفيه يدخن الشيشة أو يرقص في المسرح الجامعي!

ليس خطأ أن تستضيف الجامعة أي شخصية مشهورة، وتدفع لها مقابلا ماليا، وليس خطأ أن تروج الجامعة لبرامجها وأنشطتها، فهذا أمر طبيعي ويحدث في كل جامعات العالم، ولكن الخطأ أن تكون الاستضافة لمجرد الدعاية والترويج هكذا دون فائدة أو مردود معنوي على المدى البعيد، وإنما الترويج لبرامج هلامية وهشة، وربما وهمية لا أصل لها، وقد تلغى بعد سنة أو سنتين أو بعد أربع سنوات، وتكون النتائج لمثل هذه التصرفات غير المدروسة أن يتكدس المروَّج لهم والمضحوك عليهم صفوفا في قوائم البطالة لا تنتهي! وبدل أن تخرج الجامعات أجيالا من الشباب القادرين على تحمل المسؤوليات وتحقيق المستحيلات، تصبح رافدا من روافد البطالة والفراغ القاتل والكلام الفاضي.

ألم أقل لكم في مقالات سابقة إن العقلية الإدارية التي تقاد بها الجامعات المحلية تعاني خللا ما يعيقها عن العمل الإداري بشكل طبيعي وسليم، فضلا عن الإبداع والابتكار والتميز والإبهار، أو على أقل تقدير تعمل كما ينبغي وكما تعمل مثيلاتها من الإدارات الجامعية في العالم؟!

ولا أعلم بالضبط هل السبب وراء هذه الإشكالية يعود إلى استراتيجيات «ذر الرماد» ومجرد تصريف الأعمال؟ وهي استراتيجيات أقل ما يمكن وصفها في وقتنا الحاضر بأنها اجتهادات شرب الدهر عليها وأكل، ولكنها مازالت تهيمن على الإدارة الأكاديمية بمختلف أشكالها، أم إنها محاولات شخصية وعدوى تتناقلها الإدارات فيما بينها؟ في كل الأحوال يظل هذا الموضوع موضوعا مطروحا لدراسة متأنية وعناية بحثية خاصة.

أصبحت جامعاتنا الناشئة وغير الناشئة كالعوانس اختيارا لا اضطرارا، ينتظرن من يطرق أبوابهن، فلا هن تزوجن واستترن من الدعاية والإعلان، ولا الدولة سلمت مؤونتهن! قد يغضب الزملاء من هذا التوصيف الساخر، والملامس للواقع، ولا بأس أن نغضب ويغضبوا معنا مقابل أن يصحح الوضع وتستقيم الأمور، وبالتالي نتخلص من الفساد الأكاديمي ظواهره وبواطنه.

ولهذا السبب أرجو من معالي الوزير وهو الرجل الأكاديمي الناجح والإداري الخبير أن يلاحظ ما أمكنه وسمح به وقته النشاط الإعلامي والترويجي لكل الجامعات، وأن يسجله على مديريها كوثائق وحجج رسمية، يحاسبهم عليها بالقانون إذا ما فشلوا في تطبيقها وتنفيذها، فمن الظلم، والظلم البواح والصراح، أن تسوق جامعة ما لتخصصات نادرة أو أخرى تقليدية ومكرورة ولا فائدة منها، فتتخرج فيها الأجيال جيلا بعد جيل، ولا تجد عملا إلا أن تبيع «شاهي بالنعناع» على قارعة الرصيف بريال أو بريالين!